ميراث الجد ( الحلقة الثانية ) .
مع الإخوة :
أولا أدلة القائلين بمشاركة الإخوة للجد: لأننا أخترنا هذا المذهب كما نوهت من قبل .
استدل القائلون بمشاركة الإخوة للجد بما يلي :
1. أن الله تعالى قد بيَّن في كتابه أنَّ للرجال والنساء الأقارب نصيبا من الميراث والجد والإخوة من الأقارب، فقال تعالى: ﴿ لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً ﴾[النساء:7]. وهذا هو من الأخذ بظاهر القرآن.
2. حديث أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : "أرحم أمتي بأمتي: أبو بكر، وأشدُّهم في أمر الله: عمر، وأصدقهم حياءً: عثمان، وأعلمهم بالحلال والحرام: معاذ بن جبل، وأفرضهم: زيد بن ثابت، وأقرؤهم: أبَيّ، ولكل أمةٍ أمينٌ وأمينٌ هذه الأمة: أبو عبيد بن الجراح" (44).
قال المناوي تفسيراً للفظ: "وأفرضهم: زيد بن ثابت": أي «أكثرهم علما بمسائل قسمة المواريث وهو علم الفرائض (زيد بن ثابت) أي أنه يصير كذلك، ومن ثم كان الحبر ابن عباس يتوسد عتبة بابه» (45). لكن وجدت أن المناوي نقل عن ابن عبد الهادي: أنه سيصير كذلك، أي زيد، بعد انقراض عظماء الصحابة وأكابرهم (46).
3. أن ميراث الإخوة ثبت بالكتاب، فلا يحجبون مع الجد إلا بنصٍّ أو إجماعٍ أو قياس، ولم يوجد شيء من هذا، فلا يحجبهم الجد. قاله ابن قدامة (47).
4. استواء الجد والإخوة في نسب الاستحقاق، فإن الأخ والجد يدليان بالأب، الجد أبو أبي الميت، والأخ ابن أبي الميت، وقرابة البنوة أقوى من قرابة الأبوة، إذ الابن يسقط تعصيب الأب، وعليه فيستوون في الاستحقاق (48).
قال الشافعي: «ويدل على التشريك: أن الأخ يدلي ببنوة أبي الميت والجد بأبوته، ومعلوم أن البُنّوة أقوى من الأبوة، فإذا لم نقدِّم الأخ، فلا أقلّ من التشريك» (49).
5. أن فرع الجد- وهم الأعمام- يسقط بفرع الإخوة- وهم أبناء الإخوة- وقوة الفرع تدل على قوة أصله، بمعنى أن أبناء الإخوة يدلون بالأب، والأعمام يدلون بالجد.
6. أن الإخوة والأخوات أشبهوا الأولاد في أنهم يرثون بالعصوبة، إن وجد فيهم رجل، والفرض إن لم يكن هناك رجل، وهذا بخلاف الجد، فإنه لم يشبه الأولاد في شيء، والأولاد أقوى الوارثين درجة.
7- أنّ الأخت تأخذ النصف بالفرض، فلم يسقطها الجد كالبنت.
8- أنّ الأخ الذكر يعصب أخته، فلم يسقطه الجد كالابن. قال أصحاب الشافعي:« وعصبة الأخ أقوى من الجد بلا ريب، بدليل أن الأخ يعصب أخته بخلاف الجد» (50).
سبب اختلاف الصحابة في ميراث الجد والإخوة.
مما لا شك فيه، أن سبب الخلاف في ميراث الجد - أبي الأب- والإخوة - الأشقاء أو لأب-، هو أنه لم يرد دليلٌ صريحٌ من الكتاب والسنة في ميراثهما إن اجتمعا، وهذه المسألة هي مما عرضت للصحابة الكرام بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم- ولم يعلم له فيها قضاء.
وهذا هو السبب الذي جعل أبو بكر- رضي الله عنه- يجتمع مع فقهاء الصحابة، في ميراث الجد والإخوة، وكان هو أول من تكلم فيها (52)، وقد روي أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- سأل عن فريضة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في الجد؟ فقام معقل بن يسار المزني فقال:" قضى فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- السدس". قال: مع من؟ قال: لا أدري. قال: لا دريت، فما تغني إذاً (53). وقد روى عبيدة: أنه يحفظ عن عمر في الجد مائة قضية، كلها ينقض بعضها بعضا (54)، لكن قد بيّن ابن حزم أنًَّ هذه القضايا والأقوال- وإن تعددت - هي في الحقيقة لا تتعدى قولين فقط، فقال: « قد يرجع من قولٍ إلى قول، ثم إلى القول الأول ثم يعود إلى الثاني مراراً، فهي كلها قضايا مختلفة، وإن لم تكن إلا قولين» (55).
وإنَّ عدم النص الخاص من الشارع على حكم هذه المسألة، ليس ناشئاً عن نسيان الشـارع: ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً ﴾ [مريم:64]. تنـزه الله عن ذلك وتعالى علوا كبيراً. ولا مخالفاً لقوله تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ [المائدة:3]. لأن وراء النصوص العامة نصوصاً خاصة قد تناولت بمعانيها أحكام جميع الحوادث. وأن في ذلك لحكمة بالغة، حيث جعل للراسخين في العلم مجالاً للتفكير والبحث والاستنباط.
ومن هنا اختلفت أراء الصحابة الكرام، والمجتهدين من بعدهم، ولصعوبة هذه المسألة وردت بعض الآثار، والتي تبيِّن صعوبة الفتوى في ميراث الجد والإخوة، ومنها: قول عمر - رضي الله عنه: "أجرؤكم على قسمة الجد أجرؤكم على النار" (56). وقال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "من سرَّه أن يقتحم جراثيم جهنم، فليقضِ بين الجد والإخوة" (57). وبمثله قال ابن عمر (58). وقال ابن مسعود – رضي الله عنه –: "سلونا عن عضلكم (أي المسائل الصعبة العسيرة) واتركونا من الجد، لا حياه الله ولا بياه" (59). و عن ابن سيرين قال: قلت لعبيدة حدثني عن الجد ؟ فقال: إني لأحفظ في الجد ثمانين قضية مختلفة (60).
ومما قد تقرَّرَ في الشريعة الإسلامية، أن لله تعالى حكماً في كل نازلة، علمه من علمه وجهله من جهله، وقد أرشد الله الأمة- إن كانت لا تعلم أمراً من الشرع- أن تفزع إلى ردِّه إلى أهل الاستنباط، الذين لهم علمٌ بهذا الأمر، فقال تعالى:﴿ وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ﴾[النساء:83].
من أجل ذلك رأى الصحابة الكرام والفقهاء منهم، أنه لا بد من إعمال النظر في حل هذه المشكلة، فأدى بهم اجتهادهم إلى مذهبين رئيسين، هما: الحجب للإخوة بالجد ، أو المشاركة معه.
لكن عند النظر إلى الأدلة نجد أنها لا تخلو عن قياسٍ وأثر: أما القياس فهو حجةٌ لمن قال بحجب الإخوة بالجد، وأعني بالقياس قياس الجد على الأب، وهو قول الصديق، ومن تبعه من الصحابة في حجب الإخوة بالجد، وذلك لعدم وجود الخلاف بين الصحابة في زمنه.
قال البخاري: «ولم يذكر أن أحداً خالف أبا بكر في زمانه وأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم- متوافرون» (69).
قال ابن حجر تعليقاً على قول البخاري: كأنه يريد بذلك تقوية حجة القول المذكور( أي قول أبي بكر) فإن الإجماع السكوتي حجة (70).
وأما الأثر، فهو حجة لمن قال بمشاركة الإخوة بالجد، وأعني بالأثر: قوله عليه الصلاة والسلام:" وأفرضهم: زيد بن ثابت " (71).
ولولا هذه الشهادة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لزيد بالتقديم في الفرائض لاقتضى الإنصاف إتباع أبي بكر في قياسه الجد بالأب، وتأييد ابن عباس وغيرهم من الصحابة لقول أبي بكر.
فهذا الحديث فيه خصوصية لزيد بن ثابت دون غيره، وهو حاسم عند التنازع، وأقرب للعدل بين الجد والإخوة، إذ كل منهما صاحب فرض إذا انفرد، فإن اجتمعا اشتركا في الإرث. وهذا الأثر مقدَّمٌ على القياس.
قال الطحاوي في كتابه مشكل الآثار: بعد ذكره لهذا الحديث، وغيره من الأحاديث التي فيها مناقبٌ لبعض الصحابة:« من جلَّت رتبته في معنى من المعاني، جاز أن يقال إنه أفضل الناس في ذلك المعنى» (72).
وقال أبو القاسم السهيلي في كتابه الفرائض وشرح آيات الوصية، بعد ذكره لهذا الحديث: «فصار قول زيد أصلاً عوَّل عليه الفقهاء» (73).
وقال أبو حامد الغزالي: «واختار الشافعي - رضي الله عنه- مذهب زيد؛ لأنه أقرب إلى القياس؛ ولقوله عليه السلام :"أفرضكم زيد" (74).
وقال الرحبي في منظومته:
وأن زيـداً خص لا محالة بما حبـاه خاتـم الرسالة
من قوله في فضـله منبها أفرضكم زيـد وناهيك بها
فكان أولى بإتباع التابعي لاسيما وقد نحاه الشافعي (75).
والقول بمشاركة الإخوة للجد، هو الذي رجحه الصابوني في كتابه المواريث في الشريعة الإسلامية، فقال: «وهذا هو المذهب الصحيح، وهو الأرجح الذي عليه التعويل، وقد أخذت به المحاكم الشرعية في كثير من البلاد الإسلامية؛ لأنه أقرب للعدل، وأقوى في الحجة، وأظهر في تحقيق المصلحة العامة» (76).
لعلك قد رأيت لماذا اخترنا مذهب المشاركة .ومن اختار غير هذا فلا نخطئه ؛ حيث إنه لا إنكار فيما فيه اختلاف .والله أعلم .
للجد مع الإخوة حالات نستعرضها – بعون الله تعالى – بالتفصيل كما يلي :
1 – حالة يستوي فيها التشريك مع الإخوة مع ميراثه السدس فرضا( بعد أصحاب الفروض ).
توفي عن :
جد – زوج – أخ شقيق ( أو لأب ) – أم
الجد 6/1 فرضا.
والزوج 2/1 فرضا .
والأم 6/1 فرضا .
والأخ الباقي تعصيبا .
وما تبقى للأخ في هذه المسألة هو السدس .
فلو اشترك مع الأخ في قسمة ما بقي بعد نصيب الأم والزوج لكان حظه السدس , ولو ورث وحده بالفرض لكان السدس .
2 – حالة يكون ميراثه السدس أفضل له .
نحو :
توفي عن : جد – زوج – أم – أخوين لأب .
في هذه الحالة يرث الأخوين الباقي تعصيبا وهو السدس يقسم بينهما .
وهنا لو اشترك معهما الجد في قسمة ما بقي بعد نصيب الزوج والأم لكان أقل حظا له .
فوجب أن يرث بالفرض وهو السدس لأنه أوفر حظا له .
3 – أن يشارك الإخوة ويتخلى عن ميراث السدس . والمقصود هنا الإخوة الأشقاء أو لأب .
والمقاسمة حينئذ أحظ له من ثلث جميع المال .
أ ) نحو : توفي عن :
جد – زوجة – أخ ش , وأخت ش .
فلو ورث بالفرض فقط وهو السدس لكان أقل من نصيب أحد الأخوين .
فوجبت مشاركته لهما والتخلي عن السدس .وإليك التفصيل :
الجد 6/1
الزوجة 8/1
وللأخوين الباقي تعصيبا . ع .
فلو افترضنا أصل المسألة / 24 ؛ ليقبل القسمة على 6 , 8 :
6/1 أربعة أسهم نتجت من قسمة 24 على 6/1 .
8/1 ثلاثة أسهم نتجت من قسمة 24 على 8/1 .
ع سبعة عشر بقيت بعد أصحاب الفروض .
فيكون نصيب الأخ الواحد 8 أسهم ونصف .
في حين أن الجد يرث أربعة أسهم فقط بالفرض .
فوجب هنا أن يشاركهم ؛ فيدخل بسدسه معهم :
4 + 17 = 21 سهما تقسم على ثلاثتهم ؛ فيكون لكل واحد ( الجد والأخوين ) سبعة أسهم .
ولو تكلمنا عن ميراثه مع الإخوة فقط دون أصحاب الفروض , فالحالات كالآتي :
مثال :
ب ) جد - أخت
فالتوريث هنا بالمقاسمة :
للجد والأخت كل الميراث للذكر مثل حظ الانثيين .
وفي هذه المسألة له الثلثان , وللأخت الثلث .
ج ) جد وأخ.
التوريث بالمقاسمة لكل منهما نصف الميراث .
د ) جد - أختان .
فله النصف وللأختان النصف .
و ) جد – أخ – أخت .
فالمسألة بالمقاسمة -كما أشرنا - للذكر مثل حظ الانثيين .
فتكون المسألة من خمسة .
للجد سهمان .
وللأخ سهمان .
وللأخت سهم واحد .
ت ) جد – ثلاث أخوات .
فالمسألة من خمسة أيضا .
للجد سهمان وللأخوات لكل واحدة سهم .
الحالة الثانية - أن تكون المقاسمة مساوية لثلث جميع المال :
ويكون ذلك إذا كان الأخوة مثليه وهذا له ثلاث صور فقط :
الأولى : جد وأربع أخوات.
الثانية : جد وأخوين .
الثالثة : جد وأخ وأختين .
ففي هذه الصور إن قاسم أخذ ثلثاً وإن لم يقاسم كذلك . واختلفوا هل يعبر بالمقاسمة فيكون تعصيباً أو الثلث فيكون فرضاً .
1) جد – أربع أخوات .
فالتوريث يالمقاسمة :
فالمسألة من 6 .
للجد سهمان
وللأخوات أربعة أسهم لكل واحدة سهم .
ولون جعلناها بالفرض والتعصيب :
فللجد السدس فرضا والباقي تعصيبا .
وللأخوات الثلثان .
وتكون المسألة أيضا من6
فللبنات الثلثان / أربعة أسهم .
وللجد سهمان / سهم بالفرض , والسهم الباقي بالتعصيب .
فأنت ترى أن التشريك مساو لثلث جميع المال .ومثله :
2) جد – أخوان .
3) جد - أخ - أختان .
الحالة الثالثة - أن يكون ثلث جميع المال أحظ له من المقاسمة :
ويكون ذلك إذا كان الإخوة أكثر من مثليه وهذه الحالة لها صور كثرة منها :
: جد وأخ وثلاث أخوات .
- وجد وخمس أخوات .
- وجد وأخوين وأخت.
- جد وست أخوات .
وفي الباب مسائل أخر , ولمن يريد المزيد فليتواصل معنا .
Hudahuda2007@yahoo.com
الأحد، 31 مايو 2009
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق