زواري

من أنا

صورتي
أنا المدلل الغارق في آلاء الله ونعمه , قليل الشكر كثير الذنب , أحب الله جدا ولكن المعاصي لم تدع لي وجها أقابل به ربي وليس لي إلا أن أطمع في رحمة ربي الواسعة لعله يقبلني . وأنا واقف بالباب لن أبرحه فليس لي غيره.

الأربعاء، 24 أبريل 2013

مواعظ

مواعظ


و كان فيهم يومها : عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فوصف فقال : ( خط النبي صلى الله عليه وسلم خطاً مربعاً ، وخط خطاً في الوسط خارجاً منه ، و خط خططاً صغاراً إلى هذا الذي في الوسط ، من جانبه الذي في الوسط ، وقال : هذا الإنسان ، وهذا أجله محيط به – أو : قد أحاط به – وهذا الذي هو خارج : أمله ، وهذه الخطط الصغار : الأعراض ، فإن أخطأه هذا : نهشه هذا ، و إن أخطأه هذا : نهشه هذا ) 1

وكان فيهم أيضا : أنس بن مالك رضي الله عنه ، فوصف ، فقال : ( خطَّ النبي صلى الله عليه وسلم خطوطاً ، فقال : هذا الأمل ، وهذا أجله ، فبينما هو كذلك إذ جاءه الخط الأقرب ) 2

وفي رواية : مثل ابن آدم جنبه تسع و تسعون مَنِيَّة ، إن أخطأته : وقع في الهَرَم .

واكتملت بهذه الخطوط الشريفة لوحة من الفن الرمزي التجريدي فريدة .

إنه الإنسان الضعيف تغزوه الأعراض غزواً فيه الحاح . عدوى ، أو سرطان ، أو حريق ، أو غرق ، أو زلق ، أو سقوط ، أو اصطدام ، أو لدغة ، أو تسمم بطعام ، أو طلقة تائهة .

فإذا نجا من كل ذلك : كان له في الهرم ، و ضغط الدم وارتفاع نسبة السكر : تأديب أي تأديب .

فإن أطال النَفَس : اقتص منه الموت { قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم } تعددت الأسباب والموت واحد ، يحاصر الأمل الشارد الذي يتوهم الإفلات حصاراً شديداً .

أمل أبيض وضّاء ، كلما برق : زهت في نظر صاحبه الأموال ، و الحِسان ، و العطور ، و القصور ، و المناصب ، والشهادات ، فينسى مع نظره المنسرح المسترسل متطلبات دعوته ، و يصد عينه عن أرض مقدسة يفسد فيها يهود ، ولا يعود أنفه يشم رائحة شواء دعاة الإسلام في الصومال ، ولا نتن جثث الأتراك تحت حائط في قرية قبرصية ، وتتناسى أذنه وقع أحذية عساكر الهنادك في البنغال ..!

فقال : ( يا أهل دمشق : الا تسمعون من أخ لكم ناصح ! إنّ من كان قبلكم كانوا يجمعون كثيراً ، ويبنون شديداً ، ويأملون بعيداً ، فأصبح جمعهم بوراً وبنيانهم قبوراً ، وأملهم غروراً ) 2 و لبث في أهل دمشق سنين يخفف أثر هجمة المال ، ثم أورث المقال أهله ، فكان الرجل منهم يأتي أم الدرداء يستنصحها فيقول :

و ما أكثر ما وقف عمر موقف أبي الدرداء على درج مسجد دمشق ، ليجدد الوعظ القديم ، ويقرر لهم :

" إن الأمان غداً لمن حذر الله وخافه ، و باع قليلاً بكثير ، و نافذاً بباق " .



ما كنت الا كزرع عند خُضرته **** بكل شيء من الآفات مقصودُ

فإن سَلِمتَ من الآفات أجمعها **** فكنت عند كمال الأمر محصودُ

( إذا وُضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم ، فإن كانت غير صالحة قالت لأهلها : ياويلها ! أين يذهبون بها ؟ يسمع صوتها كل شيء الا الإنسان ، ولو سمع الإنسان لصعق ) 2

• ثم يوم الرقاد :

و تنتقل القصة إلى مشهد ثان يسمى : يوم الرقاد الطويل ، يبدأ بملكين يفتنان الميت ، ذكر خبرهما النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (أوحي اليّ أنكم تُفتنون في القبور قريباً من فتنة الدجال . أما المؤمن أو المسلم فيقول : محمد جاءنا بالبينات ، فأجبنا وآمنا .

فيقال : نَم صالحاً ، علمنا أنك موقن .

وأما المنافق أو المرتاب فيقول : لا أدري ، سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته ) 3

و ذلك هو الحوار المذكور في الحديث الآخر ، أنّ : ( العبد إذا وضع في قبره و تولّى و ذهب أصحابه ، حتى أنه ليسمع قرْع نعالهم ، أتاه ملكان فأقعداه .

فيقولان له : ما كنت تقول في هذا الرجل ، محمد صلى الله عليه وسلم ؟

554/ 1 الزهد لابن المبارك 84

. 116/9 ، 103/ 2 صحيح البخاري 2

. 116/9 ، 103/ 3 صحيح البخاري 2

فيقول : أشهد أنه عبد الله ورسوله .

فيقال : أنظر إلى مقعدك من النار ، أبدلك الله به مقعداً من الجنة .

قال النبي صلى الله عليه وسلم : فيراهما جميعاً .

و أما الكافر أو المنافق فيقول : لا أدري ، كنت أقول ما يقول الناس .

فيقال : لا دَرَيت ولا تَلَيتَ .

ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنية ، فيصيح صيحة يسمعها من يليه الا الثقلين ) 1

فيستيقظ الدود لتلك الصيحة ، ويهجم هجومه فيستسلم الرجل ويذعن ويأخذ يقول كانه يستزيد :

ضعوا خدي على لحدي ضعوه **** و مِن عَفْر التراب فوسٍّدوه

وشُقوا عنه أكفاناً رقاقاً **** وفي الرمْس البعيد فغيّبوه

فلو أبصرتموهُ إذا تقضت **** صبيحة ثالثٍ : أنكرتموه

وقد مالت نواظرُ مقلتيه **** على وَجَناته ، فرفضتموه

فهنالك يكون السكون ، حيث تصفر الرياح على تلال هامدة واطئة ، فيصل صفيرُها إلى آذان أمهاتٍ ثكإلى يخرجن ببلاهة يقودهن الصفير إلى قبور أبنائهن ، لتسال كل واحدة منهن ابنها :

بأي خديك تَبدّى البلى **** و أي عينيك إذاً سالا ؟

فيجيبهن صوت بعيد ، من حيث القبر الأخير المنزوي :

لم تبق غير جماجم عَرِيتْ **** بيضٌ تلوح ، و أعظمُ نَخِره

و أفصح القبرُ عنهم حين ساءلهم **** تلك الوجوهُ عليها الدودُ تقتتلُ

قد طال ما أكلوا دهراً و ما نعِموا **** فأصبحوا بعد طول الأكل قد أُكلوا

فيتولى عنهم بجناح من الرهبة ، خفيض ، و دمع على الخدين يفيض ، يودع ويندب و يقول :

أهل القبور أحبتِي **** بعد الجذالة و السرور

بعد الغَضارة و النضارة **** و التنعّم و الحُبور

. 108/ 1 صحيح البخاري 2

2 أسطر لبعض الزهاد .

بعد الحِسان المؤنسات **** و بعد ربّات الخدور

أصبحتم تحت الثرى **** بين الصفائح و الصخور



وماذا يقول يوم الحساب :

واحسرتي ، واشِقوتي **** من يوم نشر كتابيه

وأطولَ حُزني إن كان **** أوتيته بشماليه

وإذا سُئلت عن الخَطأ **** ماذا يكون جوابيه ؟

و احَرَّ قلبي أن يكونَ **** مع القلوب القاسية

كلا ولا قدمت لي **** عملاً ليوم حسابيه

بل إنني لشقاوتي **** وقساوتي و عذابيه

بارزت بالزلات في **** أيام دهرٍ خاليه

من ليس يخفى عنه من *** قُبح المعاصي خافية

سيأتيك يوم لست فيه بمكرَم **** بأكثر من حَثو التراب عليكا

بل يرى أصحابك ذلك غاية الإكرام لك .

يقولون : كان رحمه الله صديقاً لنا ، ولا بد أن نكرمه ، وواجب أن نحضر لنحثو التراب عليه .

إلى زيادة في فقه الدعوة . وذاك حين طعنت المجوسية أبا حفص طعنتها ، فثغب جرحه دماً كثيراً أخرجه إلى جَزَعٍ وافقَ دخولَ عبدالله بن عباس ، رضي الله عنهما ، عليه ، فَفَغَر فاه مستغرباً ، فقال عمر : " أما ما ترى من جزعي ، فهو من أجلك وأجل أصحابك " 1

و بهذه الحروف اختتم رضي الله عنه سيرة أتعبت كل دعاة الإسلام من بعده .

فالحياة يطلبها الغيور طلباً ، ويجزع لورود الموت جزعاً ، لما سيحول بينه وبين خدمة المسلمين والقيام بأمور دعوة الإسلام .

وغدا هذا المفهوم ، بهذا المقدار ، يمثل الوجه الآخر للتربية الحركية الكابحة لانطلاق الكمال الدنيوية ، يمارس الداعية خلال نظره المتكرر اليها إيجابية تبعده عن يأس سلبي وتزهيد بالعمل يسببه نظر ناقص إلى مجرد كبت الآمال

• مدرسة الكوفة تواصل الذكرى

ولئن كشفت هذه الكلمات في نهاية خلاقة عمر - من جانب - للغافلين سر ما رآه المسلمون منه من تعب و سهر و تفكّر ، فتأهبوا للاقتداء ، فالهاهم عبدالله بن سبأ زمن عثمان رضي الله عنه ، وأذهلهم ، فإن تشميراً رآه الناس في بداية خلافة علي رضي الله عنه ،

كان بحاجة - من جانب آخر - بعد ذاك الذهول ، إلى كلمات أخرى تعظهم ، و تعيب عليهم أملاً وجد له أثناء سنوات الفتنة مجال نمو ،

بردت معه همم المقتدين .

و من هذه الحاجة نشأت مدرسة الكوفة في التذكير بالموت ، إذ طفق علي رضي الله عنه يجمع الناس في مسجد عاصمته ، ويصارحهم

و يقول : " إنما أخشى عليكم اثنين : طول الأمل ، و اتباع الهوى ، فإن طول الأمل يُنسي الآخرة ، و إن اتباع الهوى يصد عن الحق "

2 . و تنتدب جمهرة من فقهاء أصحابه نفسها لمعاونته ، فيقوم الصحابي الأغلب بن جشم العجلي بعده ، فينشد بين يديه قصيدته التي

مطلعها :

المرء تواقٌ إلى ما لم ينل **** و الموت يتلو ، ويلهيه الأمل

فيتلوه سيد زهاد التابعين : أُويس بن عامر القرني ، فيقول : " يا أهل الكوفة : توسّدوا الموت إذا نمتم ، واجعلوه نصب أعينكم إذا قمتم " .

حتى إذا قُتل علي بعدما خشعت القلوب وادكرت استمرت ثلة من أصحابه على سمته في الوعظ ، فكان الربيع بن خثيم يقول لهم :

" أكثروا ذكر هذا الموت الذي لم تذوقوا قبله مثله " 3 . ويحفر له قبراً ، ويأخذ ينزل فيه ال يوم يتمدد ، ثم يقوم يذكر لهم مشاعره لما يكون بقعره .

ويذكر سعيد بن جبير لهم مقدار تصفية كلمات علي لقلبه ، فيقول : " لو فارق ذكر الموت قلبي : خشيت أن يفسد عَليَّ قَلبي " 4

وكل هؤلاء : سعيد ، والربيع ، وأويس ، رحمهم الله ، والأغلب رضي الله عنه ، من ثقات أهل الكوفة الذين رباهم علي رضي الله عنه .

قال الحسن : " إنك والله لأن تصحب أقواما يخوفونك حتى تدرك أمناً ، خير لك من أن تصحب أقواما يؤمنونك حتى تلحقك المخاوف "