زواري

من أنا

صورتي
أنا المدلل الغارق في آلاء الله ونعمه , قليل الشكر كثير الذنب , أحب الله جدا ولكن المعاصي لم تدع لي وجها أقابل به ربي وليس لي إلا أن أطمع في رحمة ربي الواسعة لعله يقبلني . وأنا واقف بالباب لن أبرحه فليس لي غيره.

الثلاثاء، 9 نوفمبر 2010

الأضحية وأحكامها

الحمد لله رب العالمين , نحمدك اللهم حمد الشاكرين , ونصلي ونسلم علي سيد الأولين والآخرين وخير داع ٍ إلى الصرط المستقيم .
اللهم تقبل منا واجعل قلوبنا خالصة لك وأقوالنا وحركاتنا وسكناتنا وجوارحنا . فأنت خيرمقصود وأعظم مأمول . اللهم وفق وأعن يا كريم . وبعد
فهذه أقوال جمعتها - بعون الله تعالى - من أقوال العلماء المتقدمين والمتأخرين عن الأضحية وما يتعلق بها متجنبًا تمامًا الضعيف من الأحاديث والأقوال .
فضل الأضحية .
شروطها .
شروط المضحي .
هل يجوز الإنابة في ذبح الأضحية ؟ . وهل يجوز إنابة غير المسلم ؟ . الحلق وتقليم الأظافر للمضحي .
هل يجوز نقل الأضاحي من بلد إلى آخر ؟ .
أولا : ما ورد في فضل الأضحية :
يقول المولى عز وجل : " فصل لربك وانحر " سورة الكوثر ( 2 ) . وقال تعالى : ( ولكل أمة جعلنا منسكاً ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام… ) (الحج 34) . وقال تعالى : (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، لا شريك له وبذلك أُمْرِتُ وأنا أول المسلمين) (الأنعام:162-163) ، قوله (ونسكي ) أي ذبحي .
وروى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده وسمى وكبر .
حكمها :ذهب جمهور الفقهاء إلى أنها سنة مؤكدة . قال البخاري في صحيحه في كتاب الأضاحي : باب سنة الأضحية فقال الحافظ ابن حجر في الشرح وكأنه ترجم بالسنة إشارة إلى مخالفة من قال بوجوبها ، وقال الحافظ أيضاً ، قال ابن جزم : لا يصح عن أحد من الصحابة أنها واجبة وصح أنها غير واجبة عند الجمهور ، ولا خلاف في كونها من شرائع الدين ، وهي عند الشافعية والجمهور سنة مؤكدة ، وعن أبي حنيفة : تجب على المقيم والموسر .
وروى الترمذي أن رجلاً سأل ابن عمر (رضي الله عنه) عن الأضحية أهي واجبة ؟ فقال : ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون من بعده ، وقال الترمذي: العمل على هذا عند أهل العلم أن الأضحية ليست بواجبة ،وقال الشيخ ابن عثيمين بعد أن ذكر أدلة القائلين بالوجوب والقائلين بعدمه : والأدلة تكاد تكون متكافئة ، وسلوك سبيل الاحتياط أن لا يدعها مع القدرة عليها لما فيها من تعظيم الله وذكره وبراءة الذمة بيقين .
ومن أحكام الأضحية :
1. تكفى أضحية واحدة من الضأن أو المعز من أهل البيت الواحد ، فقد روى الترمذي وصححه عن أبي أيوب قال : كان الرجل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته .
2. يجوز المشاركة في الأضحية إذا كانت من الإبل والبقر ، وتجزئ البقرة أو الجمل عن سبعة أشخاص ، عن جابر رضي الله عنه قال : "نحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة " .
3. إذا تعينت الأضحية يحرم بيعها وهبتها إلا أن يبدلها بخير منها ، وإن ولدت ضحى بولدها معها ، ويجوز ركوبها عند الحاجة .
4. يسن لمن يحسن الذبح أن يذبح أضحيته بيده ويقول : باسم الله والله أكبر اللهم هذا عن فلان ويسمي نفسه ، فإن كان لا يحسن الذبح وكل غيره ، وشهد الذبح ، ولا يعطي الجزار شيئاً من لحمها كأجرة الذبح ، بل يعطيه مالاً غيره ، ولا يجوز بيع شيء من لحمها أو شحمها أو جلدها ، في الحديث : [ من باع جلد أضحيته فلا أضحية له ] رواه الحاكم والبيهقي .
وقتها :
وقت ذبح الأضحية من بعد صلاة عيد الأضحى إلى آخر أيام التشريق وهو الثالث عشر من ذي الحجة .
ومن ذبح قبل صلاة العيد فهو لحم ٌ قدمه إلى أهله , ولا يعتبر أضحية .
6 - وفي صحيح مسلم (1961) عن فراس، عن عامر، عن البراء. قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من صلى صلاتنا، ووجه قبلتنا، ونسك نسكنا، فلا يذبح حتى يصلي) فقال خالي: يا رسول الله! قد نسكت عن ابن لي. فقال (ذاك شيء عجلته لأهلك) فقال: إن عندي شاة خير من شاتين. قال (ضح بها، فإنها خير نسيكة).
- وفي البخاري : حدثنا محمد بن بشار: حدثنا محمد بن جعفر: حدثنا شُعبة، عن سلمة، عن أبي جُحيفة، عن البراء قال:ذبح أبو بردة قبل الصلاة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أبدلها). قال: ليس عندي إلا جَذَعة. قال شُعبة - وأحسبه قال: هي خير من مُسِنَّة - قال: (اجعلها مكانها ولن تجزي عن أحد بعدك). وقال حاتم بن وردان، عن أيوب، عن محمد، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال: عَنَاقٌ جَذَعةٌ
شروطها :
أولاً : أن تبلغ السن المطلوبة ، ويجزئ من الضأن ماله نصف سنة ، ومن المعز ما له سنة ، ومن البقر ما له سنتان ، ومن الإبل ما له خمس سنين ، يستوي في ذلك الذكر والأنثى .
ولكن هل يجوز التضحية بعجول التسمين التي هي دون السن المطلوب ؟ .
جاء في فتوى المجلس الأوربي للبحنث والإفتاء :
إن اعتبار السن المحدد للأضحية في الضأن والبقر إنما هو للتحقق من الانتفاع بها ليكون ما يُضَحَّى به مجزئاً، والسن هو علامة أو أمارة على ذلك، والأصل مراعاة اشتراط السن في الظروف العادية، ما لم يتحقق النمو المطلوب قبل السن، خصوصاً الضأن الذي ينمو بسرعة في أوروبا، وكذلك عجول التسمين التي تنمو في عدة شهور، سواء أتم ذلك بنمو طبيعي أم باستخدام طرق التسمين، فإن التضحية بها جائزة تحقيقاً للمقصود الشرعي من اشتراط السن، وقد أفتى بهذا بعض مشاهير المالكية .
ثانياً : سلامتها من العيوب ، فلا يجوز الأضحية بالمعيبة مثل :1. المريضة البيّن مرضها .2. العوراء البيّن عورها .3. العرجاء البيّن عرجها .4. العجفاء التي لا تُنقى : أي ذهب مخها من شدة الهزال .
وثمة عيوب أخرى مختلف في أجزائها وعدمه مثل العصباء (مقطوعة القرن والأذن) والهتماء (التي ذهب ثناياها من أصلها) ، والعصماء (ما تكسر غلاف قرنها) والعمياء والتولاء (التي تدور في المرعى ولا ترعى) . والجرباء التي كثر جربها وغير ذلك من العيوب غير المذكورة في الحديث السابق فإنها وإن أجزأت ولكن يكره التضحية بها ، فالله طيب لا يقبل إلا طيباً ، ( ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ) . سورة الحج 32 .
ما أفضل أنواع الأضاحي ؟ .
في الأمر خلاف . ولكن الأحاديث الواردة في حق الغنم أكثر , ومنها :
فعن أنس – رضي الله عنه - :( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يضحي بكبشين وأنا أضحي بكبشين ) رواه البخاري ومسلم . وفي قول أنس كان يضحي ما يدل على المداومة . وفعل الصحابي الجليل يدل على الاقتداء بما هو أسن .
وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال :( شهدتُ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأضحى بالمصلى فلمَّا قضى خطبته نزل من منبره وأُتِيَ بكبش فذبحه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بيده ... الخ ) رواه أبو داود والترمذي .
وهل يجوز التضحية بالحامل ؟ .
إن الأفضل اختيار حيوان ليس في بطنه جنين للأضحية، ولكن إذا اشترى المضحي أنثى من الأنعام فوجدها حاملا فإن له أن يضحي بها عند جمهور الفقهاء، لأنهم لم يعدوا الحمل عيبا في الأضحية، خلافا للشافعية، ويجوز عدم ذبح الجنين بعد ذبح أمه، ولكن الأفضل أن يذبح قبل أكله، فإذا مات قبل التمكن من ذبحه أكله لأن ذبح أمه يعد ذبحا له على رأي الجمهور . والدليل : روى أحمد والترمذي وابن ماجه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال في الجنين "ذكاته ذكاة أمه" وفي رواية لأحمد وأبي داود: قلنا يا رسول الله، ننحر الناقة ونذبح البقرة والشاة وفي بطنها الجنين، أنلقيه أم نأكل ؟ قال "كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه .
هل يجوز نقل الأضاحي من بلد لبد آخر ؟ .
يقول الدكتور علي محيي الدين القره داغي رئيس قسم الفقه بكلية الشريعة بقطر :لا مانع شرعا من دفع مبلغ الأضحية إلى الجمعيات الخيرية أو إلى أشخاص ثقات ليقوموا بذبحها ، نيابة عنك، لأن هذا من باب الوكالة وهي جائزة في تنفيذ الأضاحي ونحوها، ولك أجرها بل قد يكون بعض الأضاحي في بعض البلاد الفقيرة أكثر أجرًا من بعض بلادنا التي أنعم الله عليها بالخير الكثير .انتهىويقول الدكتور حسام الدين عفانة أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين :إن بعض المسلمين من الموسرين من دول الخليج العربي وأوروبا وأمريكا يوكلون لجان الزكاة في بلادنا في التـضحية عنهم ، ويدفعون أثمان الأضاحي لدى بعض الجمعيات الخيرية في بلادهم ، ثم تنقل هذه المبالغ إلى لجان الزكاة في فلسطين ، والتي تتولى شراءها ، ومن ثم ذبحها وتوزيعها على الناس
المضحي وما ينبغي أن يفعل :
اختلف الفقهاء في حلق الشعر، وتقليم الأظافر لمن أراد أن يضحي ، وذلك خلال العشر الأوائل من ذي الحجة، فقيل بالحرمة ، وقيل بالكراهة، و قيل : إن الترك مستحب ، وليس بواجب ، وقيل : لا يكره ، والمسألة من الأمور الخلافية التي تسع الجميع في الأخذ بأي رأي فيها دون تعصب لرأي على حساب آخر، ويمكن الخروج منها أن الحلق والتقصير والتقليم لمن أراد التضحية خلاف الأولى ، و يمكن الجمع بين كثير من الآراء الواردة في المسألة ، والرجل والمرأة في ذلك سواء .
ثبت في الحديث الصحيح عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال :( إذا دخلت العشر، وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئاً ) رواه مسلم .
تقسيم الأضحية :
يسن للمضحى أن يأكل من أضحيته ويهدى ويتصدق ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ كلوا وأطعموا وادخروا] .
هل يمكن توكيل غير المسلم في ذبح الأضحية ؟ .
والأصل أن يُوكِّل المسلم مسلمًا مثله في ذبح الضحية، ولكنه إذا وكَّل شخصًا مسيحيًّا أو شخصًا من أهل الكتاب، في عملية الذبح، جاز ذلك شرعًا، ولا كراهة في ذلك، ما دام هذا الشخص يُحسن الذبح ويستطيع القيام به. وقد ذكر الإمام النووي في كتابه "المجموع": أن العلماء أجمعوا على أن المُضحِّي يجوز له أن يَسْتنيب في ذبح أُضحيته شخصًا مسلمًا، وأن مذهب الشافعية يَرى أنه يَصح تَوْكيل المسلم شخصًا آخر غير مسلم، من أهل الكتاب، في ذبح الضحية، وإن كان ذلك خلاف الأولى.ومن هذا نفهم أن المسلم الذي يُريد ذبح الأضحية ، ولكنه لا يُحسن الذبح ولم يتيسَّر له شخص مسلم ليوكله في الذبح، يجوز له أن يأمر شخصًا مسيحيًّا بأن يذبح له أضحيته، ما دام يُتقن الذبح، وتكون الأضحية حلالاً مشروعة.وحبذا لو حضر وقت الذبح وسمى الله على أضحيته , أو يكلف هذا المسيحي أن يذكر اسم الله عليها ويقول هذا النسك عن فلان .
هل يجوز إعطاء غير المسلم من الأضحية ؟ .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :يجوز للإنسان أن يعطي الكافر من لحم أضحيته صدقة بشرط أن لا يكون هذا الكافر ممن يقتلون المسلمين فإن كان ممن يقتلونهم فلا يعطى شيئاً لقوله تعالى: ( لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ ) الممتحنة /8- 9 .كما جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ـ السعودية :يجوز أن نطعم الكافر المعاهد والأسير من لحم الأضحية، ويجوز إعطاؤه منها لفقره أو قرابته أو جواره، أو تأليف قلبه ؛ لأن النسك إنما هو في ذبحها أو نحرها ؛ قرباناً لله ، وعبادة له .
وعلى الله قصد السبيل
شعبان شحاته

الأربعاء، 3 نوفمبر 2010

خطبة عشر ذي الحجة

خطبة عشر ذي الحجة / ملخص الخطبة
1- الله يصطفى ما يشاء ويختار من خلقه. 2- بركة الطاعة وفوائدها. 3- فضائل عشر ذي الحجة. 4- فضل يوم عرفة. 5- فضل يوم النحر. 6- أعمال يندب لها في عشر ذي الحجة.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون، اتقوا الله الذي يخلق ما يشاء ويختار، خلق السماوات واختار منها السابعة، وخلق الجنات واختار منها الفردوس، وخلق الملائكة واختار منهم جبريل وميكائيل وإسرافيل، وخلق البشر واختار منهم المؤمنين، واختار من المؤمنين الأنبياء، واختار من الأنبياء الرسل، واختار من الرسل أولي العزم، واختار من أولي العزم الخليلين، واختار من الخليلين محمدا صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين، وخلق الأرض واختار منها مكة، وخلق الأيام واختار من أشهرها شهر رمضان، ومن أيامها يوم الجمعة، ومن لياليها ليلة القدر، ومن ساعاتها ساعة الجمعة، ومن عشرها عشر ذي الحجة.
والمسلم يعيش مباركاً في العمل وفي الزمن، وأعظم البركة في العمل الطاعةُ؛ إذ هي بركة على أهلها كما يقول تعالى: مَن جَاء بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا [الأنعام:160]، وكما يقول صلى الله عليه وسلم: ((إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك، فمن همَّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، ومن همَّ بحسنة فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ومن همَّ بسيئة فلم يعلمها كتبها الله عنده حسنة كاملة، ومن همَّ بسيئة فعملها كتبها الله سيئة واحدة، ولا يهلك على الله إلا هالك)).
وهذا يدل على أن الطاعة بركة في القول؛ إذ الكلمة الواحدة من الطاعة بعشر حسنات يكتب الله بها رضوانه، فيحفظ بها عبده حتى يُدخله الجنة، ويرضى عليه في الجنة فلا يسخط عليه أبداً.
والطاعة بركة في العمل؛ إذ الصلاة بعشر صلوات كما في الحديث القدسي: ((أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي)) فهي خمس في الفعل وخمسون في الأجر والثواب. وصوم رمضان بعشرة أشهر كما في الحديث: ((رمضان بعشرة أشهر، وست شوال بشهرين))، ((والصدقة بسبعمائة ضعف))، ((والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)).
والطاعة طهرة من الذنوب، فالصلاة طهرة من الذنوب كما في الحديث: ((مثل الصلوات الخمس كمثل نهر غمر على باب أحدكم يغتسل منه خمس مرات في اليوم والليلة، هل يبقى عليه من الدرن شيء؟!)). والصوم طهرة من الآثام كما في الحديث: ((جاءني جبريل فقال: من أدرك رمضان فلم يغفر له أبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين))، ومن صامه وقامه وقام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه. و((الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار)). و((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)).
والطاعة بركة في التعامل؛ إذ بالتعامل الحسن يدرك الإنسان درجة الصائم القائم، ويجاور الرسول صلى الله عليه وسلم، ويحظى ببيت في أعلى الجنة، ويدخل الجنة، ويكمل إيمانه، ويثقل ميزانه.
وأعظم الزمن بركة، عشر ذي الحجة؛ إذ لها مكانة عظيمة عند الله تعالى، تدل على محبته لها وتعظيمه لها، فهي عشر مباركات كثيرة الحسنات، قليلة السيئات، عالية الدرجات، متنوعة الطاعات.
فمن فضائلها: أن الله تعالى أقسم بها فقال: وَلَيالٍ عَشْرٍ [الفجر:2]، ولا يقسم تعالى إلا بعظيم، ومما يدل على ذلك أن الله لا يقسم إلا بأعظم المخلوقات، كالسماوات والأرض والشمس والقمر والنجوم والرياح، ولا يقسم إلا بأعظم الأزمان، كالفجر والعصر والضحى والليل والنهار والعشر، ولا يقسم إلا بأعظم الأمكنة، كالقسم بمكة، وله أن يقسم من خلقه بما يشاء، ولا يجوز لخلقه أن يقسموا إلا به، فالقسم بها يدل على عظمتها ورفعة مكانتها وتعظيم الله لها.
ومن فضائلها: أن الله تعالى قرنها بأفضل الأوقات، والقرين بالمقارن يقتدي، فقد قرنها بالفجر وبالشفع والوتر وبالليل. أما اقترانها بالفجر فلأنه الذي بحلوله تعود الحياة إلى الأبدان بعد الموت، وتعود الأنوار بعد الظلمة، والحركة بعد السكون، والقوة بعد الضعف، وتجتمع فيه الملائكة، وهو أقرب الأوقات إلى النزول الإلهي في الثلث الأخير من الليل، وبه يُعرف أهل الإيمان من أهل النفاق. وقرنها بالشفع والوتر لأنهما العددان المكوِّنان للمخلوقات، فما من مخلوق إلا وهو شفع أو وتر، وحتى العشر فيها شفع وهو النحر، وفيها وتر وهو عرفة. وقرنها بالليل لفضله، فقد قُدم على النهار، وذكر في القرآن أكثر من النهار، إذ ذكر اثنتين وسبعين مرة، والنهار سبعا وخمسين مرة، وهو أفضل وقت لنفل الصلاة، وهو أقرب إلى الإخلاص لأنه زمن خلوة وانفراد، وهو أقرب إلى مراقبة الرب تعالى إذ لا يراه ولا يسمعه ولا يعلم بحاله إلا الله، وهو أقرب إلى إجابة الدعاء وإلى إعطاء السؤال ومغفرة الذنوب إذ يقول الرب في آخره: ((هل من داعٍ فأجيبه، وهل من سائل فأعطيه، وهل من مستغفر فأغفر له))، مُيِّز به أهل الجنة في قوله تعالى: كَانُواْ قَلِيلاً مّن ٱلَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ [الذاريات:17]، وفي قوله: تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ [السجدة:16]، وميِّز به عباد الرحمن في قوله: وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَـٰهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبّهِمْ سُجَّداً وَقِيَـٰماً [الفرقان:63، 64]، قال بعض السلف: "لولا الليل ما أحببت العيش أبدا"، وقال آخر: "لم يبق من لـذة الـدنيا إلا قيام اللـيل وصلاة الجماعة وصحبة الصالحين".
ومن فضائلها: أن الله تعالى أكمل فيها الدين؛ إذ تجتمع فيها العبادات كلها، وبكمال الدين يكمل أهله، ويكمل عمله، ويكمل أجره، ويعيشون الحياة الكاملة التي يجدون فيها الوقاية من السيئات، والتلذذ بالطاعات، ومحبة المخلوقات، وبكمال الدين تنتصر السنة، وتنهزم البدعة، ويقوى الإيمان، ويموت النفاق، وبكمال الدين ينتصر الإنسان على نفسه الأمارة بالسوء لتكون نفساً مطمئنة تعبد الله كما أراد، وتقتدي بالأنبياء، وتصاحب الصالحين، وتتخلق بالأخلاق الحسنة، وبكمال الدين ينتصر الإنسان على شيطانه الذي شط ومال به عن الصراط المستقيم، وينتصر على الهوى والشهوات. وقد كمل الدين حتى تركنا الرسول صلى الله عليه وسلم على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك شقي. وقد حسدنا اليهود على هذا الكمال، قال حبر من أحبار اليهود لعمر رضي الله عنه: آية في كتابكم، لو نزلت علينا معشر اليهود اتخذنا ذلك اليوم الذي نزلت فيه عيداً ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأسْلاَمَ دِيناً [المائدة:3]، قال عمر: (إني أعلم متى نزلت، وأين نزلت. نزلت يوم عرفة في يوم جمعة).
وكمال الدين يدل على كمال الأمة وخيريتها.
ومن فضائلها: أن الله أتم فيها النعمة؛ إذ تنعم الأرواح بشتى أنواع الطاعات القولية والفعلية والتعاملية، ومن تمام النعمة أن الله فتح قلوب العباد للإسلام، فدخل الناس في دين الله أفواجاً، إذ كان عددهم عند تمام النعمة أكثر من مائة ألف. ومن تمام النعمة أن الله أظهر الإسلام على جميع الأديان؛ إذ كان في الجزيرة أديان متنوعة منها: اليهودية، والنصرانية، والمجوسية، والوثنية، والنفاق، فأبيدت بالإسلام، وظهر عليها الإسلام، قال تعالى: هُوَ ٱلَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدّينِ كُلّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً [الفتح:28]، ومن تمام النعمة منع الكفار من دخول الحرم واختصاص المسلمين بذلك، فتوحدت صفوف المسلمين حتى أصبحوا كالجسد الواحد، ووحدوا معبودهم، وتوحد دينهم، وتوحدت كلمتهم، وتوحد طريقهم، ويا لها من نعمة عظيمة أن ترى أهل الإيمان ظاهرين وأهل الكفر مهزومين.
ومن فضائلها: أن العبادات تجتمع فيها ولا تجتمع في غيرها، فهي أيام الكمال، ففيها الصلوات كما في غيرها، وفيها الصدقة لمن حال عليه الحول فيها، وفيها الصوم لمن أراد التطوع، أو لم يجد الهدي، وفيها الحج إلى البيت الحرام ولا يكون في غيرها، وفيها الذكر والتلبية والدعاء الذي تدل على التوحيد، واجتماع العبادات فيها شرف لها لا يضاهيها فيه غيرها ولا يساويها سواها.
ومن فضائلها: أنها أفضل أيام الدنيا على الإطلاق، دقائقها وساعاتها وأيامها وأسبوعها، فهي أحب الأيام إلى الله تعالى، والعمل الصالح فيها أحب إلى الله تعالى، فهي موسم للربح، وهي طريق للنجاة، وهي ميدان السبق إلى الخيرات، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله تعالى من هذه الأيام)) يعني أيام العشر، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء))، وهذا يدل على أن العمل في أيام العشر أفضل من الجهاد بالنفس، وأفضل من الجهاد بالمال، وأفضل من الجهاد بهما والعودة بهما أو بأحدهما، لأنه لا يفضل العمل فيها إلا من خرج بنفسه وماله ولم يرجع لا بالنفس ولا بالمال، وقد روي عن أنس بن مالك أنه قال: (كان يقال في أيام العشر: بكل يوم ألف يوم، ويوم عرفة بعشرة آلاف يوم)، يعني في الفضل، وروي عن الأوزاعي قال: بلغني أن العمل في يوم من أيام العشر كقدر غزوة في سبيل الله، يصام نهارها ويحرس ليلها، إلا أن يختص امرؤ بالشهادة.
ومن فضائلها: أن فيها يوم عرفة، وهو اليوم التاسع من ذي الحجة، وهو يوم معروف بالفضل وكثرة الأجر وغفران الذنب، فهو يوم مجيد، يعرف أهله بالتوحيد، إذ يقولون: لا إله إلا الله، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((وخير ما قلت أنا والنبيون قبلي: لا إله إلا الله))، ويعرف الإنسان ضعف نفسه إذ يكثر من الدعاء ويلح على الله في الدعاء، وفي الحديث: ((خير الدعاء دعاء يوم عرفة))، ويعرف إخوانه المسلمين الذين اجتمعوا من كل مكان في صعيد واحد، ويعرف عدوه الذي ما رئي أصغر ولا أحقر منه في مثل يوم عرفة، ويعرف كثرة مغفرة الله في هذا اليوم لكثرة أسباب المغفرة من توحيد الله ودعائه وحفظ جوارحه وصيامه لغير الحاج، وهو يوم الحج الأعظم، قال صلى الله عليه وسلم: ((الحج عرفة))، وصومه تطوعاً يكفر ذنوب سنتين: سنة ماضية وسنة مقبلة، وما علمت هذا الفضل لغيره فكأنه حفظ للماضي والمستقبل.
ومن فضائلها: أن فيها يوم النحر، وهو اليوم العاشر من ذي الحجة، وهو أفضل الأيام كما في الحديث: ((أفضل الأيام يوم النحر))، وفيه معظم أعمال النسك من رمي الجمرة وحلق الرأس وذبح الهدي والطواف والسعي وصلاة العيد وذبح الأضحية واجتماع المسلمين في صلاة العيد وتهنئة بعضهم بعضاً.
وفضائل العشر كثيرة لا ينبغي للمسلم أن يضيِّعها، بل ينبغي أن يغتنمها، وأن يسابق إلى الخيرات فيها، وأن يشغلها بالعمل الصالح.
ومن الأعمال المشروعة فيها: الذكر، يقول تعالى: لّيَشْهَدُواْ مَنَـٰفِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِى أَيَّامٍ مَّعْلُومَـٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ ٱلاْنْعَامِ [الحج:28]، وروى الإمام أحمد عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد))، قال الشيخ أحمد شاكر (7/224): "وإسناده صحيح"، وكان أبو هريرة وابن عمر ـ وهما أكثر الصحابة رواية للحديث وأكثر اتباعاً للسنة ـ إذا دخلت عشر ذي الحجة يخرجان إلى السوق يكبران كل على حدته، فإذا سمعهم الناس تذكروا التكبير فكبروا كل واحد على حدته، وهذا التكبير المطلق، ويُكثر مع التكبير من التسبيح والتهليل والتحميد والذكر، ويكثر من قراءة القرآن فإنه أفضل الذكر، وفيه الهدى والرحمة والبركة والعظمة والتأثير والشفاء، وليعلم المسلم بأن الذكر هو أحب الكلام إلى الله تعالى، وهو سبب النجاة في الدنيا والآخرة، وهو سبب الفلاح، وحفظ لصاحبه من الكفر ومن الشيطان ومن النار، به يذكر العبد عند الله، ويصلي الله وملائكته على الذاكر، وهو أقوى سلاح، وهو خير الأعمال وأزكاها وأرفعها في الدرجات، وخير من النفقة، به يضاعف الله الأجر، ويغفر الوزر، ويثقل الميزان، ومجالسه هي مجالس الملائكة ومجالس الرسل ومجالس المغفرة والجنة والإيمان والسعادة والرحمة والسكينة، وفضائله كثيرة، قرنه الله بالصلاة فقال: فَإِذَا قَضَيْتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ [النساء:103]، وقرنه بالجمعة فقال: فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِى ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ [الجمعة:10]، وقرنه بالصوم فقال: وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ [البقرة:185]، وقرنه بالحج فقال: فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَـٰسِكَكُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكْرِكُمْ ءابَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا [البقرة:200]، وقرنه بالجهاد فقال: يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَٱثْبُتُواْ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ [الأنفال:45]، ولا يتقيد بزمن ولا حال، أمر الله بـه على جميع الأحوال فقال: فَإِذَا قَضَيْتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَـٰماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ [النساء:103].
ويكثر من نوافل الصلوات بعد الفرائض، كالرواتب التي قبل الفرائض وبعدها، وهي اثنتا عشرة ركعة، أربع قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر. ويواظب على النوافل المقيدة، مثل أربع قبل الظهر، وأربع بعدها، وأربع قبل العصر، وركعتان قبل المغرب، وصلاة الليل، وهي إحدى عشرة ركعة كما في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يواظب عليها ويقضيها وقت الضحى لو نام عنها، وصلاة الضحى ركعتان أو أكثر، فالمحافظة على النوافل سبب من أسباب محبة الله، ومن نال محبة الله حفظه وأجاب دعاءه، وأعاذه ورفع مقامه، لأنها تكمل النقص وتجبر الكسر وتسد الخلل.
ويكثر من الصدقة في العشر، إذ الصدقة فيها أفضل من الصدقة في رمضان، وما أكثر حاجات الناس في العشر من النفقة والاستعداد للحج وللعيد وطلب الأضحية ونحوها، وبالصدقة ينال الإنسان البر ويضاعف له الأجر ويظله الله في ظله يوم القيامة، ويفتح بها أبواب الخير ويغلق بها أبواب الشر، ويفتح فيها باب من أبواب الجنة، ويحبه الله ويحبه الخلق، ويكون بها رحيماً رفيقاً، ويزكي ماله ونفسه، ويغفر ذنبـه، ويتحرر من عبـودية الـدرهم والديـنار، ويحفـظه الله في نـفسـه ومـاله وولده ودنياه وآخرته.
ويكثر من الصيام في أيام العشر، ولو صام التسعة الأيام لكان ذلك مشروعاً، لأن الصيام من العمل الصالح، ولأنه ثبت في الحديث أنه كان يصوم يوم عاشوراء، وتسع ذي الحجة، وثلاثة أيام من الشهر، وما ورد عن عائشة أنه ما صام العشر فالمراد إخبار عائشة عن حاله عندها، وهو عندها ليلة من تسع، ولربما ترك الشيء خشية أن يُفرض على أمته، ولربما تركه لعذر من مرض أو سفر أو جهاد أو نحوه، وإذا تعارض حديثان أحدهما مُثبت والآخر نافي فإننا نقدم المثبت على النافي، لأن عنده زيادة علم.
وينبغي للمسلم أن يسابق في هذه العشر بكل عمل صالح، ويكثر من الدعاء والاستغفار، ويتقرب إلى الله بكل قربة، وينبغي للمسلم إذا دخلت عليه العشر وهو يريد أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا بشرته شيئاً، وأما من يُضحَّى عنه فلو أمسك لكان حسناً باعتباره يضحي في الأصل بأضحية وليّه، وإن لم يمسك فلا حرج عليه.

من أحداث شهر ذي القعدة



إعداد: عاطف عبد الهادي
شهر عربي إسلامي كريم، أحد أشهر الله الحرم (ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب)، وأحد أشهر الحج الثلاثة (شوال وذو القعدة وذو الحجة)، وقد تمتع هذا الشهر العظيم بأحداث جليلة حوتها الأجندة الإسلامية بين دفتيها، وسوف نعرض لبعض تلك الأحداث في زمنٍ غاب فيه المسلمون عن تاريخهم وبَعُدوا فيه عن ثقافتهم وحضارتهم.. آملين أن يكون من سرد هذه الأحداث ذكرى وعظة وعبرة لنصل الحاضر بالماضي فيكون لأمتنا الرقي والعزة والسيادة كما كان ذلك من قبل.

صلح الحديبية
كان في ذي القعدة من سنة 6هـ، وفيها خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في ما يقرب من ألف وأربعمائة من الصحابة الكرام قاصدين مكةَ لأداء العمرة، فلما علم المشركون بذلك جمعوا أحابيشهم وخرجوا من مكةَ ليصدوا رسول الله وأصحابه عن العمرة من ذلك العام، فرجع رسول الله بعد أن صالحوه على أن يأتي العام القادم، ولا يُقيم أكثر من ثلاثة أيام، وعلى هدنة تكون بينهم وبينه صلى الله عليه وسلم لمدة عشر سنين، وعلى أن يردَّ رسول الله من قصده من الكفار مسلمًا، وألا يردُّوا هم من قصدهم من المسلمين كافرًا.

وعلى الرغم من جور المعاهدة إلا أن رسول الله قَبِلَها وقد حدث قبل الصلح أمر بيعة الرضوان، بعدما أُشيع أن عثمان قُتل، وكان رسول الله قد بعثه إلى قريش يُعلِمُهم أنه ما جاء لقتال أحد، وإنما جاء معتمرًا، وقد أثنى الله على المؤمنين وأنزل فيهم قرآنًا ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِيْنَ إِذْ يُبَايِعُوْنَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِيْ قُلُوْبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِيْنَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيْبًا﴾ (الفتح: 18).

عمرة القضاء
وكانت في العام السابع من الهجرة؛ حيث خرج رسول الله من المدينة معتمرًا، وسار حتى بلغ مكةَ فاعتمر وطاف بالبيت، وتحلَّل من عمرته، وتزوَّج بعد إحلاله بأم المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلالية رضي الله عنها.

حجة الوداع
وكان مبتدأ خروج الرسول الله- صلى الله عليه وسلم- من المدينة لأداء حجة الوداع في ذي القعدة من العام العاشر للهجرة، وكان ذلك مع جمعٍ من المسلمين كثير، صلَّى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر بذي الحليفة ركعتَين وبات بها، وأتاه آتٍ من ربه عز وجل في وادي العقيق يأمره أن يقول في حجته هذه: "حجٌّ في عمرة"، ومعنى هذا أن الله يأمره أن يُقرن الحج مع العمرة، فأصبح فأخبر الناس بذلك.

معركة الفِرَاض
وقعت في ذي القعدة سنة 12هـ بين المسلمين، وفي هذه الموقعة تمَّ تحالفٌ ثلاثيٌّ بغيضٌ بين مشركي العرب والروم النصارى والفرس المجوس ضد المسلمين، وانتصر فيها المسلمون بقيادة خالد بن الوليد- رضي الله عنه- على هذا التحالف الشرّ، والفِرَاض هي تخوم الشام والعراق والجزيرة من الجنوب الشرقي.

وقد قُتل من جيوش التحالف الرومي الفارسي العربي يومئذٍ مائة ألف قتيل، بإجماع المؤرِّخين؛ يقول ياقوت الحموي في معجم البلدان: "واجتمعت عليه الروم والعرب والفرس، فأوقع بهم وقعة عظيمة، قُتل فيها مائة ألف!!".

فتح بيسان
تقع مدينة بيسان في القسم الشمالي من فلسطين في الزاوية الجنوبية الشرقية منه، وفي ذي القعدة سنة عام 13هـ= 634م فتُحت بيسان من قبل المسلمين على يد القائدين شرحبيل بن حسنة وعمرو بن العاص في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنهم، ثم احتُلت بيسان من قِبل الصليبيين بقيادة تنكرد، وتمكَّن بعدها القائد صلاح الدين الأيوبي من تحريرها بعد معركة حطين عام 582هـ= 1187م، وأعاد الصليبيون الكرة مرةً أخرى فاحتلوا المدن وتمكَّن السلطان الظاهر بيبرس من استعادتها، وفي عام 1516م دخلت بيسان تحت الحكم العثماني الذي دام حتى عام 1918م؛ حيث ازدهرت في هذا العهد.

خضعت المدينة بعد ذلك للانتداب البريطاني الذي مهَّد الطريق لاغتصاب فلسطين؛ حيث استولى اليهود على المدينة عام 1948وأطلقوا عليها اسم بيت شعان 13هـ.

فتح مدينة جلولاء
وفي 12 من ذي القعدة 16هـ= 7 من ديسمبر 637م تمَّ فتح جلولاء آخر معاقل الفرس، إثر معركة كبيرة بين المسلمين بقيادة هاشم بن عتبة والفرس الذين حلفوا بالنار أن لا يفروا أبدًا حتى يفنوا العرب والمسلمين، حيث هرب الفرس من المدائن إلى "جلولاء"، وأخذ يزدجرد يغدق عليهم بالإمدادات والأموال لقتال المسلمين، والجنود يقومون بحفر الخنادق حول معسكره، ولكن المسلمين اقتحموا عليهم خنادقهم، ودارت معركة من أعنف المعارك، وثبت المسلمون حتى كُتِبَ الله لهم النصر، وهرب "يزدجرد" مرةً ثانية؛ وفرَّ إلى الري.

وفاة أحمد بن طولون
وذلك في ذي القعدة سنة 270هـ= 883م، ويعد ابن طولون مؤسس الدولة الطولونية في مصر والشام والحجاز، وُلد في بغداد، وتلقَّى تعليمه بها، وتولَّى مصر سنة 254هـ، ونجح في أن يُقيم دولةً قويةً امتدت بعد وفاته، حيث تولى مصر من بعده أولاده، وقد بنى مسجدًا بمصر سماه باسمه أنفق على بنائه ما يقارب الـ120 ألف دينار، ويُعَدُّ مسجد ابن طولون الوحيد بمصر الذي غلب عليه طراز سامراء حيث المئذنة الملتوية المدرجة.

إعلان الخلافة الإسلامية بالأندلس
وذلك في ذي القعدة سنة 316هـ، بعد فترة كان حكام الأندلس الأمويون يخطبون لأنفسهم بالإمارة، فتلقَّب "عبد الرحمن بن محمد" بألقاب الخلافة، وتسمَّى الناصر لدين الله، ليوطِّدَ مركزه في داخل الأندلس وخارجها ويفرض هيبته في النفوس.

معركة ملاذ كرد
وفي ذي القعدة من العام 463هـ= الموافق 1071م وبالتحديد في شهر أغسطس نشبت معركة ملاذ كرد بين السلطان ألب أرسلان السلجوقي وجيش الروم بقيادة رومانوس الرابع، وقد حقَّق المسلمون في هذه المعركة نصرًا هائلاً، وتُعدُّ هذه المعركة من المعارك الفاصلة في التاريخ؛ حيث قضت على نفوذ الروم في كثير من مناطق آسيا الصغرى، ومهَّدت للحروب الصليبية.

ولاية سيف الدين قطز ووفاته
وفي ذي القعدة 657هـ= الموافق 1 من نوفمبر 1259م كانت ولاية السلطان قطز عرش مصر، وقد استمرت فترة حكمه سنةً واحدةً، نجح خلالها في إلحاق أقسى هزيمة بالمغول في عين جالوت، وصدّ غاراتهم الهمجية، وطردهم من الشام، وفي طريق عودته إلى مصر، قتله زملاؤه من المماليك بعد أن سجَّل اسمَه بين كبار القادة المسلمين.

وفي ذي القعدة من العام الهجري اللاحق 658هـ والموافق 23 من أكتوبر 1260م قُتِل سيف الدين قطز أثناء عودته إلى القاهرة بعد انتصاره على التتار في معركة عين جالوت.

وفاة ابن النفيس
وفي ذي القعدة 687هـ= 23 من ديسمبر 1288م توفي العالم الطبيب العربي الشهير بـ"ابن النفيس"، واسمه: أبو الحسن علاء الدين علي بن أبي الحزم القرشي، المعروف بعلاء الدين بن النفيس، أحد مشاهير الطب في التاريخ الإسلامي، وُلد في مدينة دمشق سنة 607هـ وبها نشأ وتعلَّم، ثم رحل إلى القاهرة وبها ذاعَ صيتُه وأصبح عميدَ البيمارستان، وهو مكتشف الدورة الدموية قبل "هارفي".. تُوفي بالقاهرة عن عمر يناهز الثمانين عامًا.

ومما قيل فيه إنه كان وقورًا، ذا هيبة واحترام، دمث الأخلاق، لطيف المعاملة، ذا مروءة وورع، لا يحجب عن الإفادة ليلاً ولا نهارًا، وكان متدينًا ورعًا يخشى الله في جميع أعماله وتصرفاته، وقد رُوي عنه أنه في علَّته التي تُوفِّي بها أشار عليه بعض أصحابه الأطباء بتناول شيء من الخمر، إذ كان صالحًا لعلته، على ما زعموا، فأبى أن يتناول شيئًا منه، وقال: لا ألقى الله تعالى، وفي بطني شيءٌ من الخمر.

ابن تيمية إلى جوار ربه
في 26 من ذي القعدة 728هـ توفي أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله، تقي الدين أبو العباس، الملقب بشيخ الإسلام، وُلد في 661هـ هو أحد علماء المسلمين، ولد في حران وهي بلدة تقع في الشمال الشرقي من بلاد الشام في جزيرة ابن عمرو بين دجلة والفرات، وحين استولى المغول على بلاد حران وجاروا على أهلها انتقل مع والده وأهله إلى دمشق سنة 667هـ، فنشأ فيها وتلقَّى على أبيه وعلماء عصره العلوم المعروفة في تلك الأيام.

كانت أمه تسمَّى تيمية وكانت واعظةً فنُسِبَ إليها وعُرف بها، وقدِم مع والده إلى دمشق وهو صغير، وقرأ الحديث والتفسير واللغة، وشرع في التأليف من ذلك الحين، بَعُدَ صيته في تفسير القرآن، وانتهت إليه الإمامة في العلم والعمل، وكان من مذهبه التوفيق بين المعقول والمنقول.

وفاة الألوسي صاحب التفسير
وفي ذي القعدة أيضًا من العام 1270هـ= 19 من أغسطس 1854م تُوفي العالم الجليل أبو الثناء شهاب الدين محمود الألوسي، أحد أئمة العلم في القرن الثالث عشر الهجري، وُلد في بغداد وتعلَّم بها، وجلس للتدريس وأقبل عليه الطلاب من كل مكان، ترك مؤلفاتٍ كثيرةً، أهمها التفسير المعروف بـ(رُوح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني).

أول ظهور لمجلة النهضة النسائية
وفي اليوم العاشر من ذات الشهر من العام 1339هـ الموافق 16 من يوليو 1921م أصدرت السيدة "لبيبة أحمد"- أول مسئولة لقسم الأخوات بجماعة الإخوان المسلمين- مجلة (النهضة النسائية)، وكانت مجلةً نسائيةً شهريةً اجتماعيةً يغلب عليها الطابع الإسلامي، ولها بصماتها في قضايا المرأة، واستمرت هذه المجلة في الصدور سنوات طويلة.

وكان ظهورها على أثر تأسيس الاتحاد النسائي سنة (1342هـ= 1923م) بزعامة هدى شعراوي فتحولت سيرة النهضة النسائية بمصر إلى الطابع السياسي، وتأثرت بالأفكار الأوروبية، فرأت لبيبة أحمد أن هذا لا يعبر عن السواد الأعظم من النساء المصريات فأسست "جمعية نهضة السيدات المصريات" وهي جمعية ذات طابع اجتماعي أخلاقي، تهتم بتحسين المستوى الخلقي والديني المستمد من الشريعة الإسلامية، وتهدف إلى زيادة فرص التعليم أمام الفتيات، ومحاولة جعله إجباريًّا في المراحل الأولى، بالإضافة إلى العناية بأحوال الطبقة العاملة المصرية، وتشجيع الصناعات الوطنية والتجارة المحلية.

وكان لهذه الجمعية مجلة تنطق باسمها عُرفت بمجلة النهضة النسائية، ظلت تصدر عشرين عامًا حتى توقفت سنة (1361هـ= 1942م) وكانت لبيبة أحمد تكتب افتتاحياتها التي دارت حول إصلاح المرأة وترقيتها وتعليمها والحجاب والسفور ومناهج التربية في مدارس الفتيات، وكان يشارك في تحريرها مجموعة من كبار الكتاب من أمثال الرافعي وشكيب أرسلان وفريد وجدي ومحب الدين الخطيب.

العلامة أحمد شاكر في ذمة الله
وفي 26 من ذي القعدة 1377هـ الموافق 14 يونيو 1958م توفِّي الأستاذ أحمد شاكر أحد أعلام الثقافة والأدب العربي في القرن العشرين؛ حيث عمل بالقضاء حتى وصل إلى نائب رئيس المحكمة الشرعية العليا بمصر، وساهم في نشر كتب الأدب واللغة، مثل: كتاب "الشعر والشعراء" لابن قتيبة، و"لباب الآداب" لأسامة بن منقذ، و"المعرب" للجواليقي.

وفاة الفريق طيار/ عبد المنعم عبد الرءوف
وفي ذي القعدة من العام الهجري 1405هـ= الموافق 31 من يوليو 1985م كانت وفاة الفريق عبد المنعم عبد الرؤوف أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين في تنظيم الضباط الأحرار المشاركين في ثورة يوليو.

وُلد عبد المنعم عبد الرءوف في مايو 1914 بالقاهرة، وتخرَّج في الكلية الحربية عام 1938م، وعمل طيارًا في سلاح الطيران.

وقد لعب دروًا كبيرًا في الحياة السياسية المصرية، خاصةً قبيل وأثناء ثورة يوليو 1952م، وكان من تنظيم الضباط الأحرار.. أطلق عليه زملاؤه لقب "منعم الأسد" لإعجابهم بشجاعته وجرأته.

حُكِمَ عليه بالإعدام، لكنه هرب إلى لبنان، ومنها إلى الأردن حتى عام 1959م، ثم انتقل إلى تركيا وأقام بها حوالي ثلاث سنوات، ثم رجع إلى لبنان عام 1962م وظل مقيمًا بها طوال فترة غيابه عن مصر.

عاد إلى مصر يوم 12/9/1972م، وكان في استقباله بالمطار وزير الداخلية ممدوح سالم، وقابل الرئيس أنور السادات يوم 2/11/1972م بمنزله بالجيزة، وصدر بعدها قرار جمهوري بإلغاء حكم الإعدام الصادر ضده عام 1954م في عهد عبد الناصر.

وبقي مقيمًا في مصر لم يغادرها إلا لأداء فريضة الحج عام 1978م، وبعدها أُصيب بشللٍ نصفي ونُقل إلى مستشفى المعادي، ثم أمر الرئيس السادات بنقله للعلاج في فرنسا؛ حيث أُجريت له عمليةٌ جراحيةٌ هناك، ثم عاد إلى مصر، وعاش معاناةً طويلةً مع المرض حتى وفاته التي كانت يوم الأربعاء 31/7/1985م.

وفاة صاحب (فقه السنة)
وفي 23 من ذي القعدة 1420هـ= الموافق 27 من فبراير 2000م تُوفِّي الشيخ سيد سابق أحد أعلام الفقه في القرن الرابع عشرالهجري.

وُلد في إسطنها بمحافظة المنوفية بجمهورية مصر العربية، وقد حفظ القرآن الكريم وجوَّده في كُتَّاب القرية، وأكمل مراحل التعليم الأزهري حتى حصل على العالمية من كلية الشريعة سنة 1366هـ= 1947م، وتولَّى وكالة إدارة المساجد بوزارة الأوقاف المصرية، ودرس في جامعتي الأزهر وأم القرى، وله من المؤلفات ما يربو على عشرة كتب، من أبرزها كتابه الموسوعي (فقه السنة) على أثر تكليف الإمام الشهيد حسن البنا- الذي قدَّم للكتاب- للشيخ سيد بعمل كتابٍ ميسَّر يجمع بين الحكمة والفقه ويتعرف من خلاله عامة الناس على شئون دينهم وأحكامه، وقد تُرجِم إلى عدة لغات أجنبية، ومنحته الحكومة المصرية نوط الامتياز من الطبقة الأولى، وحصل على جائزة الملك فيصل العالمية للدراسات الإسلامية.

وفاة الهضيبي المرشد السادس للإخوان
وفي ذي القعدة 1424هـ= 9 من يناير 2004م كانت وفاة المرشد السادس للإخوان المسلمين المستشار مأمون الهضيبي وانتخاب الأستاذ محمد مهدي عاكف 14/1/2004م مرشدًا، وقد تُوفي الهضيبي عن عمر يناهز الثالثة والثمانين من عمره، وهو ابن المرشد الثاني للجماعة المستشار حسن الهضيبي، رحمهما الله تعالى.

حصول مرشحي الإخوان في انتخابات 2005 على 88 مقعدًا
وذلك في 7 من ذي القعدة 1426هـ= 8 ديسمبر 2005م؛ حيث حصل مرشحو الإخوان بمصر على 88 مقعدًا في الانتخابات البرلمانية المصرية التي جرت على ثلاث مراحل، وهو ما جعلهم القوة المعارضة الرئيسية في مجلس الشعب (البرلمان)، جاء فوز الإخوان بهذا العدد على الرغم مما شاب عملية الانتخابات من تدخلاتٍ أمنيةٍ وغلق بعض اللجان، بشهادة المراقبين والقضاة.