زواري

من أنا

صورتي
أنا المدلل الغارق في آلاء الله ونعمه , قليل الشكر كثير الذنب , أحب الله جدا ولكن المعاصي لم تدع لي وجها أقابل به ربي وليس لي إلا أن أطمع في رحمة ربي الواسعة لعله يقبلني . وأنا واقف بالباب لن أبرحه فليس لي غيره.

الخميس، 21 مايو 2009

من أسرار اللغة ( 3 )

مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18)
يضرب الله تعالى الأمثال ؛ ليقرب المعنى إلى الأفهام , ويرسم له صورة في الأذهان .
فأرسل الله إليهم الرسول بالكتاب والحكمة , وأرشدهم إلى طريق الهداية وحذرهم الغواية ولكنهم : ( وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذون سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ) .
فلما نكصوا ذهب الله بنورهم ؛ فلم قال : ذهب الله بنورهم ؟ .
ولم يقل : ذهب نورهم . فيها لونان من البيان :
أولهما ذهاب النور : فالقرآن نور , والله نور , والرسول نور , والهدي نور . فكل أنواع النور ذهبت عنهم .
ثانيهما : ذهب الله بنورهم , فلم يذهب النور وحده , بل ذهب الله عنهم والنور !
النور ... في ظلمات لا يبصرون .
النور جاء مفردًا ؛ لأن طريقه واحد لا يتعدد , والظلمات كثيرة ؛ لأنها مختلفة ومتشعبة باختلاف الأهواء وتشعبها .
لماذا لم يقل ذهب الله بنارهم ؟ .
ذهب الله بالنور وترك لهم النار !
فالنار لها حرارة وضوء , فترك لهم الحرارة , وذهب عنهم بالنور !
والنور معرفة لأنه في الأصل والواقع كذلك .
في ظلمات لا يبصرون : جعلها نكرة و جمعا للكثرة والتهويل والتقبيح . ثم جاء الوصف بعدها ( لا يبصرون ) ليدل على أنه لو رفع أحدهم يده لم يكد يراها ؛ لأنها ظلمات بعضها فوق بعض .
فإظهارهم للإيمان عبر عنه بالنور , وعدم انتفاعهم به عبر عنه بانطفائه .
{صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18) }
لك أن تتخيل : من ضل الطريق فإذا أراد أن يرجع , فليس له لسان ليسترشد عن الطريق ( بكم ) . وليس له أعين ليبصر ( عمي ) . وليس له سمع ليستجيب لمن يرشده ( صم ) .
( لَا يَرْجِعُونَ ): النفي ب( لا) أبلغ هنا من لم , ولن . فلم تحول الكلام إلى الماضي وتنفيه , ولن تؤكد نفي المستقبل . أما ( لا ) فتفيد النفي الدائم للماضي والحاضر والمستقبل .
كأنهم لم يستجيبوا لخير من قبل ولن يستجيبوا اليوم ولا غدًا .
وهذا ما تفيده لا : وانظر ما جاءت من أجله في سورة مريم : {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً }مريم42 .
فالأصنام المدعاة من دون الله , لم تسمع ولم تبصر ولم تغن شيئا لا في الماضي ولا في الحاضر ولا في المستقبل .
أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19) .
فجاء تشبيه الإسلام الذي تحيا به القلوب كالغيث تحيا به الأرض .
وشبه ما في القرآن والإسلام من تكاليف بالظلمات والرعد والبرق من جهة المنافقين .
فانظر كيف يرفض عاقل الغيث لأن فيه ظلمات ورعد وبرق , وينسى ما فيه من حياة وخير ونفع !
لماذا قال : ( أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ ) والصيب لا يكون إلا من السماء ؟.
وذلك ليدل على طهارته وبركته (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً }الفرقان48 . {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ } ق9 .وأنه ليس متجمعًا من الأرض ؛ بل هو من عل ٍ فالقرآن مصدره الله وحده .
{فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23)}.
وأنزل أيضًا {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }هود13.
وفي الإسراء :{ على أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هذا القرءان لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ } [88 ].
وذلك حسب حالة المخاطبين , ودرجة التحدي في السياق .
( ما ) هنا إبهامية , بمعنى أنها تزيد النكرة إبهاما نحو :
أعطني كتابا
فإن أردت أن تزيد تنكيرًا وشيوعًا قلت : أعطني كتابا مّا .
والمعنى هنا : إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً حقاً أو البتة .
الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27).
ينقضون ، ويقطعون .
استعار النقض والقطع في الأمور الحسية لإظها رشناعة فعلهم .
وا لنقض لعهد الله وميثاقه .
والقطع يشمل قطع الأرحام ,وعدم موالاة المؤمنين , وقطع كل ما فيه خير .
(من بعد ميثاقه ) :
إن رجَع الضمير إلى العهد كان المرادُ بالميثاق ما وثّقوه به من القَبول والالتزام ، وإن رجع إلى لفظ الجلالة يُراد به آياتُ الله وكتبُه وإنذارُ الرسلِ .
وفي الكلام حذف : والمحذوف هو المضاف , والمعنى من بعد تحقق ميثاقه .
(كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28)
معنى الاستفهام في { كَيْفَ } الإنكار . وأنّ إنكار الحال متضمن لإنكار الذات على سبيل الكناية ، فكأنه قيل : ما أعجب كفركم مع علمكم بحالكم هذه!
(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29) .
خلق لكم أنسب من جعل لكم , فقد خلق الله تعالى ما في الأرض ابتداء لغرض خدمة الإنسان الخليفة .
وما المقصود بالخليفة في الآية الكريمة ؟ .
يفهم من السياق أن آدم خليفة للملائكة , أي يخلفونهم في الأرض .
ويفهم أيضا أنه خليفة الله في أرضه , يعني استخلفه فيها .
(يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ )
يأتي لفظ الزوج ( غالبا) في العلاقة الصحيحة الطيبة , للزوجين المؤمنين . لأن لفظ الزوج يعني الاقتران , والموافقة والمشابهة والمخالطة .
ولكن مع غير المؤمنين أو أحد الطرفين غير مؤمن , يأتي لفظ امرأة ( غالبا) ؛ لمنع وقوع المعاني السابقة .( امرأة نوح وامرأة لوط ) (وامرأة فرعون ).
(وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35)
و { رَغَدًا } وصف للمصدر ، أي أكلا رغداً واسعاً رافهاً .
ويأتي الرغد هنا في البقرة لأن السياق عرض النعم , بخلاف السياق في الأعراف . ( وسيأتي بحث مستقل لبيان الفرق في السياق العام بين السورتين بإذن الله تعالى ) .
وفي الآية أمر ونهي . وهكذا سيمضي التكليف بين الأمرين , وعليهما سيترتب الثواب والعقاب .
سبحانك : مصدر أميت فعله .ويستعمل مضافا فقط .
{ فَأَزَلَّهُمَا الشيطان عَنْهَا } زلَقَهما وحملهما على الزلة , وإنك لتكاد تلمح الشيطان وهو يزحزحهما عن الجنة ، ويدفع بأقدامهما فتزل وتهوي!
وإزلالُه هو قوله لهما : { هَلْ أَدُلُّكَ على شَجَرَةِ الخلد وَمُلْكٍ لاَّ يبلى } وقوله : { مَا نهاكما رَبُّكُمَا عَنْ هذه الشجرة إِلا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخالدين } وقسمه لهما : { إِنّي لَكُمَا لَمِنَ الناصحين } وهذه الآياتُ مشعرةٌ بأنه عليه السلام لم يؤمر بسُكنى الجنةِ على وجه الخلود بل على وجه التكرمةِ والتشريفِ لما قُلِّد من خلافة الأرض إلى حين البعث إليها .
فلو كان الله تعالى أرد بإدخاله الجنة على صفة الدوام فيها , ما أخرجه .
وكيف يكون الاختبار والابتلاء وهو في الجنة ؟ !
{ فاخرج مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ }
هل كان إبليس في الجنة , ومن ثم أمر بالخروج ؟ .
فقيل : إنه إنما مُنع من الدخول على وجه التكرمة كما يدخُلها الملائكةُ عليهم السلام ولم يُمنَعْ من الدخول للوسوسة ابتلاءً لآدمَ وحواءَ ، وقيل : قام عند الباب فناداهما وقيل : تمثل بصورة دابةٍ فدخل ولم يعرِفْه الخَزَنة ، وقيل : دخل في فم الحية فدخَل معها ، وقيل : أرسل بعضَ أتباعه فأزلّهما والعلم عند الله سبحانه .
وكل هذا يرشح أن الجنة كانت لآدم لا على صفة الدوام , وإنما على صفة الاختبار .
{ فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ، إنه هو التواب الرحيم }
فأخذ آدم الكلمات وعمل بها.
فلم يترك الله سبحانه آدم وحده في المعركة , إنما رحمه بإلقاء الكلمات التي يتوب بها إلى مولاه , وأنعم عليه وقبل توبنه .
وهذا طرف من التكريم لآدم وذريته , يخطئون فيتوبون فيقبلهم الله ؛ لأنه هو التواب الرحيم .
أليس من هذه الرحمة , أن آدم لا يعرف كيف يتوب فيعلمه الله كلمات يتوب بها إلى الله
ويعتذر بها بين يديه !
(وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ) (40)
وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41)
جاءت الآيات بالرهبة والخوف والخشية .
(فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }آل عمران175,
(َفلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ) المائدة3 .
وكلها موقوفة على الله وحده .
فالأولى والثانية محصورتان بإياي .
والأخريان بالنهي عن الخشية والخوف مما سواه .
(وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48) .
والشفاعةُ من الشفْع كأن المشفوعَ له كان فرداً فجعله الشفيعُ شفعاً.
والعدلُ الفدية وقيل : البدل ، وأصله التسوية سُمي به الفديةُ لأنها تساوي المَفْدِيَّ وتَجزي عنه .
(...وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57) -(فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59).
تكرير الظلم يعني كثرة وقوعه منهم , وجراءتهم على ربهم الذين أنعم عليهم .
فإن قلت لم عبر عن أخطائهم بالفسق , ولم يعبر بالظلم كما جاء في الأعراف ؟ .
لأن السياق هنا عرض للنعم أكثر منه عرضا لما نالهم من النكال والانتقام .
وفي الأعراف عكس ذلك .
ولذلك عبر هنا عن ذنوبهم بقوله سبحانه : ( خطاياهم ) بالتخفيف , وفي الأعراف : ( خطيئاتهم ) .
وكرر الظلم هنا ولم يكرره هناك . وللحديث بقية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق