زواري

من أنا

صورتي
أنا المدلل الغارق في آلاء الله ونعمه , قليل الشكر كثير الذنب , أحب الله جدا ولكن المعاصي لم تدع لي وجها أقابل به ربي وليس لي إلا أن أطمع في رحمة ربي الواسعة لعله يقبلني . وأنا واقف بالباب لن أبرحه فليس لي غيره.

الخميس، 15 أبريل 2010

سورة الصف



الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين .
وبعد ....
تبدأ السورة الكريمة بإعلان هام وهو أن الكون كله دائم التسبيح والطاعة لله عز وجل ( سبح لله ما في السموات وما في الأرض ) .
ولفظ الماضي يفيد الثبوت الدوام .
فلا ينبغي للإنسان أن يشذ عن هذه الصورة وهو العاقل الذي كرمه الله وسخر له ما في السموات وما في الأرض جميعا منه .
والله عزيز غالب قوي منيع الجانب لا يحتاج إلى أحد .
حكيم في تكليف المؤمنين بالجهاد ليقيم الملة وينصر الدين على أيديهم وهذا اختيار عن علم وإحاطة .
وفي السورة الكريمة بيان لفشل بني إسرائيل في حمل هذه الرسالة فمنهم من زاغ ومنهم من كذب ؛ فزاغت قلوبهم وصاروا فاسقين وظالمين .
فجمعت الآيتان بين أهل الكتاب والمشركين في زاوية المغلوبين أمام الإسلام ، حدث هذا من قبل وسيحدث من بعد ؛ لأن قوانين الله لا تتبدل وسننه لا تتغير .
وفي السورة تكليف مباشر للمؤمنين بالدفاع عن الدين والجهاد في سبيل الله .
وإن كانت صورة التكليف بصيغة الاستفهام المفهمة للحث والتحضيض .
فلم يأت الأمر بالجهاد هنا كما جاء في سورة التوبة ( قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم، ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم ، قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ) .
ولكن الأمر – حسب جو سورة الصف – يختلف عنه في سورة التوبة .
وواضح أن الأمة التي اختارها الله لهذه الأمانة ينبغي أن تهب لنصر الدين وبذل الغالي والرخيص في سبيل تحقيق هذا الهدف وهي راغبة مختارة .
ومراد الله أن يؤمن الناس والله عز وجل فعال لما يريد وسيحقق ما يريد على أيدي المؤمنين الذين يفهمون مراد الله ويبلغون رسالته للعالمين فمن اهتدى فلنفسه ومن عمي فعليها .
وعمادهم في ذلك إيمان بالله ورسوله وعون الله ومعيته .
وتأتي المحفزات الضخمة مصاحبة لهذا التكليف :
§ بأن الله ناصر دينه رغمًا عن الكافرين من أهل الكتاب والمشركين .
§ ومغفرة الذنوب وتكفير السيئات .
§ وجنات تجري من تحتها الأنهار ؛ ليفيد النعيم والاسترواح .
§ ومساكن طيبة .
§ في جنات عدن ، وعدن تعني الإقامة الدائمة ، وكأن الآية استعاضت عن ذكر خالدين فيها بكلمة عدن .
§ ويعقب المولى سبحانه على هذا الجزاء ( ذلك الفوز العظيم ) .
§ وهذا أيضا محفز كبير ؛ لأن الجزاء إذا كان عظيما بتقدير الله فهو جزاء ضخم جدا لأن مقاييس الله - سبحانه وتعالى- العليم بمقدار الجزاء وحلاوته وحقيقته أعظم من مقاييس البشر الذين لا يعلمون شيئا عن هذه الأمور إلا من الله الذي أعد هذا الجزاء .
§ وثمة محفز آخر وهو الوعد بنصر من الله . فلا ينسب النصر إلينا من أي وجه ( وما النصر إلا من عند الله ) آل عمران 126.
§ وفتح قريب وبشر المؤمنين ، وما أعظمها كلمة لاستمالة القلوب : وبشر المؤمنين .
§ وثم محفز عملي وقع بالفعل مع أتباع سيدنا عيسى عليه السلام إذ نصروا الله ورسوله فأيدهم الله على عدوهم فأصبحوا ظاهرين ، وهذه الكلمة الأخيرة تعني أنهم لم يرتقوا إلى درجة النصر بعددهم وعدتهم ولكن الله عز وجل هو الذي جعلهم ظاهرين ومنتصرين ؛ فكان تأييد الله هو سبب النصر .
§ ومن هذه المحفزات المهمة الأمر المباشر – وقد يكون المقصود منه الحث – ( يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله ) وهو أمر يثير الحياء من الله عز وجل القادر العزيز الذي له جنود السموات والأرض ، ثم يدعونا - نحن عبيده الضعفاء - لينصر الدين على أيدينا ؟ . فأي شرف وأي رفعة !
§ قال الحواريون نحن أنصارالله ، فكونوا – أيها المؤمنون - مستجيبين طائعين مثلهم .
ولا يفوتني أن أذكر أدب القتال كما جاء في أول السورة ( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ) .
لدرجة أن السورة سميت بسورة الصف ؛ لتشير إلى أهمية التآلف وتوحيد الصفوف والقلوب في مواجهة أعداء الأمة .
ولاحظ أيضا أن التكليف لم يأت بالأمر المباشر ؛ ولكن إذا علم المؤمنون أن الله يحب أمرا بادروا لتنفيذه وسارعوا إلى إنجازه .
فالمقياس ليس مجرد الثواب ، ولكن المقياس : ماذا يحب الله لنفعله ؟ .
وهؤلاء هم الذين وصلوا إلى درجة المحبة ، فلا يحبون أن ينزلوا دونها ( والذين آمنوا أشد حبا لله ) البقرة165.
ألا ترى معي أن العتاب جاء في صدر السورة الكريمة لأن الله ( يحبهم ويحبونه ) ! المائدة54 .
فهذا عتاب عن محبة !
وهؤلاء الذين يحبهم الله ويحبونه يصنعهم الله على عينه ، ليجاهدوا في سبيله حتى يكون الدين كله لله ، بعد أن تولى أهل الكتاب السابقين عن نصر هذا الدين .
وهناك شبه بين موضوع السورة الكريمة وموضوع سورة البقرة :
فقد بينت سورة البقرة فشل بني إسرائيل في حمل رسالة التوحيد ، فكلف الله بها أمة الإسلام ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) البقرة143.
وكلفت المؤمنين بالقتال في قوله سبحانه : ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ) البقرة216 .
وشجعت المؤمنين على القتال بقصة طالوت وجالوت كما جاء الحديث هنا عن نصر الله للحواريين : ( فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وآتاه الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين ) البقرة251.
ولاحظ اتساق أول السورة بآخرها ، ففي أول آية ( وهو العزيز الحكيم ) وفي آخرها تتمثل العزة والحكمة في نصر المؤمنين ( فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين ).
ولله الحمد أولا وآخرا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق