السبت، 14 نوفمبر 2009
أحكام الأضحية
الأولين والآخرين وخير داع ٍ إلى الصرط المستقيم .
اللهم تقبل منا واجعل قلوبنا خالصة لك وأقوالنا وحركاتنا وسكناتنا
وجوارحنا . فأنت خيرمقصود وأعظم مأمول . اللهم وفق وأعن يا كريم .
وبعد
فهذه أقوال جمعتها - بعون الله تعالى - من أقوال العلماء المتقدمين
والمتأخرين عن الأضحية وما يتعلق بها متجنبًا تمامًا الضعيف من الأحاديث
والأقوال .
وإليك بعض العناوين التي سيتناولها هذا البحث القصير :
فضل الأضحية .
شروطها .
شروط المضحي .
هل يجوز الإنابة في ذبح الأضحية ؟ . وهل يجوز إنابة غير المسلم ؟ .
الحلق وتقليم الأظافر للمضحي .
هل يجوز نقل الأضاحي من بلد إلى آخر ؟ .
أولا : ما ورد في فضل الأضحية :
يقول المولى عز وجل " فصل لربك وانحر " سورة الكوثر ( 2 ) . وقال
تعالى : ( ولكل أمة جعلنا منسكاً ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة
الأنعام… ) (الحج 34) . وقال تعالى : (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي
لله رب العالمين ، لا شريك له وبذلك أُمْرِتُ وأنا أول المسلمين)
(الأنعام:162-163) ، قوله (ونسكي ) أي ذبحي .
وروى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين
أقرنين، ذبحهما بيده وسمى وكبر .
حكمها :
ذهب جمهور الفقهاء إلى أنها سنة مؤكدة . قال البخاري في صحيحه في كتاب
الأضاحي : باب سنة الأضحية فقال الحافظ ابن حجر في الشرح وكأنه ترجم بالسنة
إشارة إلى مخالفة من قال بوجوبها ، وقال الحافظ أيضاً ، قال ابن جزم : لا
يصح عن أحد من الصحابة أنها واجبة وصح أنها غير واجبة عند الجمهور ، ولا
خلاف في كونها من شرائع الدين ، وهي عند الشافعية والجمهور سنة مؤكدة ، وعن
أبي حنيفة : تجب على المقيم والموسر .
وروى الترمذي أن رجلاً سأل ابن عمر (رضي الله عنهما) عن الأضحية أهي واجبة ؟
فقال : ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون من بعده ، وقال
الترمذي: العمل على هذا عند أهل العلم أن الأضحية ليست بواجبة ،
وقال الشيخ ابن عثيمين بعد أن ذكر أدلة القائلين بالوجوب والقائلين بعدمه
: والأدلة تكاد تكون متكافئة ، وسلوك سبيل الاحتياط أن لا يدعها مع القدرة
عليها لما فيها من تعظيم الله وذكره وبراءة الذمة بيقين .
ومن أحكام الأضحية :
1. تكفى أضحية واحدة من الضأن أو المعز من أهل البيت الواحد ، فقد روى
الترمذي وصححه عن أبي أيوب قال : كان الرجل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم
يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته .
2. يجوز المشاركة في الأضحية إذا كانت من الإبل والبقر ، وتجزئ البقرة أو
الجمل عن سبعة أشخاص ، عن جابر رضي الله عنه قال : \"نحرنا مع النبي صلى
الله عليه وسلم بالحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة \" .
3. إذا تعينت الأضحية يحرم بيعها وهبتها إلا أن يبدلها بخير منها ، وإن
ولدت ضحى بولدها معها ، ويجوز ركوبها عند الحاجة .
4. يسن لمن يحسن الذبح أن يذبح أضحيته بيده ويقول : باسم الله والله أكبر
اللهم هذا عن فلان ويسمي نفسه ، فإن كان لا يحسن الذبح وكل غيره ، وشهد
الذبح ، ولا يعطي الجزار شيئاً من لحمها كأجرة الذبح ، بل يعطيه مالاً غيره
، ولا يجوز بيع شيء من لحمها أو شحمها أو جلدها ، في الحديث : [ من باع
جلد أضحيته فلا أضحية له ] رواه الحاكم والبيهقي .
وقتها :
وقت ذبح الأضحية من بعد صلاة عيد الأضحى إلى آخر أيام التشريق وهو الثالث
عشر من ذي الحجة .
ومن ذبح قبل صلاة العيد فهو لحم ٌ قدمه إلى أهله , ولا يعتبر أضحية .
6 - وفي صحيح مسلم (1961) عن فراس، عن عامر، عن البراء. قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من صلى صلاتنا، ووجه قبلتنا، ونسك
نسكنا، فلا يذبح حتى يصلي) فقال خالي: يا رسول الله! قد نسكت عن ابن لي. فقال
(ذاك شيء عجلته لأهلك) فقال: إن عندي شاة خير من شاتين. قال (ضح بها،
فإنها خير نسيكة).
- وفي البخاري : حدثنا محمد بن بشار: حدثنا محمد بن جعفر: حدثنا شُعبة،
عن سلمة، عن أبي جُحيفة، عن البراء قال:
ذبح أبو بردة قبل الصلاة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أبدلها).
قال: ليس عندي إلا جَذَعة. قال شُعبة - وأحسبه قال: هي خير من مُسِنَّة -
قال: (اجعلها مكانها ولن تجزي عن أحد بعدك). وقال حاتم بن وردان، عن أيوب،
عن محمد، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال: عَنَاقٌ جَذَعةٌ
شروطها :
أولاً : أن تبلغ السن المطلوبة ، ويجزئ من الضأن ماله نصف سنة ، ومن المعز
ما له سنة ، ومن البقر ما له سنتان ، ومن الإبل ما له خمس سنين ، يستوي
في ذلك الذكر والأنثى .
ولكن هل يجوز التضحية بعجول التسمين التي هي دون السن المطلوب ؟ .
جاء في فتوى المجلس الأوربي للبحنث والإفتاء :
إن اعتبار السن المحدد للأضحية في الضأن والبقر إنما هو للتحقق من
الانتفاع بها ليكون ما يُضَحَّى به مجزئاً، والسن هو علامة أو أمارة على ذلك،
والأصل مراعاة اشتراط السن في الظروف العادية، ما لم يتحقق النمو المطلوب قبل
السن، خصوصاً الضأن الذي ينمو بسرعة في أوروبا، وكذلك عجول التسمين التي
تنمو في عدة شهور، سواء أتم ذلك بنمو طبيعي أم باستخدام طرق التسمين، فإن
التضحية بها جائزة تحقيقاً للمقصود الشرعي من اشتراط السن، وقد أفتى بهذا
بعض مشاهير المالكية .
ثانياً : سلامتها من العيوب ، فلا يجوز الأضحية بالمعيبة مثل :
1. المريضة البيّن مرضها .
2. العوراء البيّن عورها .
3. العرجاء البيّن عرجها .
4. العجفاء التي لا تُنقى : أي ذهب مخها من شدة الهزال .
وثمة عيوب أخرى مختلف في أجزائها وعدمه مثل العصباء (مقطوعة القرن والأذن)
والهتماء (التي ذهب ثناياها من أصلها) ، والعصماء (ما تكسر غلاف قرنها)
والعمياء والتولاء (التي تدور في المرعى ولا ترعى) . والجرباء التي كثر
جربها وغير ذلك من العيوب غير المذكورة في الحديث السابق فإنها وإن أجزأت
ولكن يكره التضحية بها ، فالله طيب لا يقبل إلا طيباً ، ( ومن يعظم شعائر
الله فإنها من تقوى القلوب ) . سورة الحج 32 .
ما أفضل أنواع الأضاحي ؟ .
في الأمر خلاف . ولكن الأحاديث الواردة في حق الغنم أكثر , ومنها :
فعن أنس – رضي الله عنه - :( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يضحي
بكبشين وأنا أضحي بكبشين ) رواه البخاري ومسلم . وفي قول أنس كان يضحي ما
يدل على المداومة . وفعل الصحابي الجليل يدل على الاقتداء بما هو أسن .
وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال :( شهدتُ مع رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - الأضحى بالمصلى فلمَّا قضى خطبته نزل من منبره وأُتِيَ
بكبش فذبحه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بيده ... الخ ) رواه أبو داود
والترمذي .
وهل يجوز التضحية بالحامل ؟ .
إن الأفضل اختيار حيوان ليس في بطنه جنين للأضحية، ولكن إذا اشترى المضحي
أنثى من الأنعام فوجدها حاملا فإن له أن يضحي بها عند جمهور الفقهاء،
لأنهم لم يعدوا الحمل عيبا في الأضحية، خلافا للشافعية، ويجوز عدم ذبح الجنين
بعد ذبح أمه، ولكن الأفضل أن يذبح قبل أكله، فإذا مات قبل التمكن من ذبحه
أكله لأن ذبح أمه يعد ذبحا له على رأي الجمهور . والدليل : روى أحمد
والترمذي وابن ماجه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال في الجنين \"ذكاته
ذكاة أمه\" وفي رواية لأحمد وأبي داود: قلنا يا رسول الله، ننحر الناقة ونذبح
البقرة والشاة وفي بطنها الجنين، أنلقيه أم نأكل ؟ قال \"كلوه إن شئتم
فإن ذكاته ذكاة أمه .
هل يجوز نقل الأضاحي من بلد لبد آخر ؟ .
يقول الدكتور علي محيي الدين القره داغي رئيس قسم الفقه بكلية الشريعة
بقطر :
لا مانع شرعا من دفع مبلغ الأضحية إلى الجمعيات الخيرية أو إلى أشخاص ثقات
ليقوموا بذبحها ، نيابة عنك، لأن هذا من باب الوكالة وهي جائزة في تنفيذ
الأضاحي ونحوها، ولك أجرها بل قد يكون بعض الأضاحي في بعض البلاد الفقيرة
أكثر أجرًا من بعض بلادنا التي أنعم الله عليها بالخير الكثير .انتهى
ويقول الدكتور حسام الدين عفانة أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين
:
إن بعض المسلمين من الموسرين من دول الخليج العربي وأوروبا وأمريكا يوكلون
لجان الزكاة في بلادنا في التـضحية عنهم ، ويدفعون أثمان الأضاحي لدى بعض
الجمعيات الخيرية في بلادهم ، ثم تنقل هذه المبالغ إلى لجان الزكاة في
فلسطين ، والتي تتولى شراءها ، ومن ثم ذبحها وتوزيعها على الناس
المضحي وما ينبغي أن يفعل :
اختلف الفقهاء في حلق الشعر، وتقليم الأظافر لمن أراد أن يضحي ، وذلك خلال
العشر الأوائل من ذي الحجة، فقيل بالحرمة ، وقيل بالكراهة، و قيل : إن
الترك مستحب ، وليس بواجب ، وقيل : لا يكره ، والمسألة من الأمور الخلافية
التي تسع الجميع في الأخذ بأي رأي فيها دون تعصب لرأي على حساب آخر، ويمكن
الخروج منها أن الحلق والتقصير والتقليم لمن أراد التضحية خلاف الأولى ، و
يمكن الجمع بين كثير من الآراء الواردة في المسألة ، والرجل والمرأة في
ذلك سواء .
ثبت في الحديث الصحيح عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي – صلى الله عليه
وسلم - قال :( إذا دخلت العشر، وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره
شيئاً ) رواه مسلم .
تقسيم الأضحية :
يسن للمضحى أن يأكل من أضحيته ويهدى ويتصدق ، قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : [ كلوا وأطعموا وادخروا] .
هل يمكن توكيل غير المسلم في ذبح الأضحية ؟ .
والأصل أن يُوكِّل المسلم مسلمًا مثله في ذبح الضحية، ولكنه إذا وكَّل
شخصًا مسيحيًّا أو شخصًا من أهل الكتاب، في عملية الذبح، جاز ذلك شرعًا، ولا
كراهة في ذلك، ما دام هذا الشخص يُحسن الذبح ويستطيع القيام به. وقد ذكر
الإمام النووي في كتابه \"المجموع\": أن العلماء أجمعوا على أن المُضحِّي
يجوز له أن يَسْتنيب في ذبح أُضحيته شخصًا مسلمًا، وأن مذهب الشافعية يَرى
أنه يَصح تَوْكيل المسلم شخصًا آخر غير مسلم، من أهل الكتاب، في ذبح
الضحية، وإن كان ذلك خلاف الأولى.
ومن هذا نفهم أن المسلم الذي يُريد ذبح الأضحية ، ولكنه لا يُحسن الذبح
ولم يتيسَّر له شخص مسلم ليوكله في الذبح، يجوز له أن يأمر شخصًا مسيحيًّا
بأن يذبح له أضحيته، ما دام يُتقن الذبح، وتكون الأضحية حلالاً
مشروعة.وحبذا لو حضر وقت الذبح وسمى الله على أضحيته , أو يكلف هذا المسيحي أن يذكر
اسم الله عليها ويقول هذا النسك عن فلان .
هل يجوز إعطاء غير المسلم من الأضحية ؟ .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
يجوز للإنسان أن يعطي الكافر من لحم أضحيته صدقة بشرط أن لا يكون هذا
الكافر ممن يقتلون المسلمين فإن كان ممن يقتلونهم فلا يعطى شيئاً لقوله تعالى:
( لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي
الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا
إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا
يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ
مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ
يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ ) الممتحنة /8- 9 .
كما جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ـ السعودية :
يجوز أن نطعم الكافر المعاهد والأسير من لحم الأضحية، ويجوز إعطاؤه منها
لفقره أو قرابته أو جواره، أو تأليف قلبه ؛ لأن النسك إنما هو في ذبحها أو
نحرها ؛ قرباناً لله ، وعبادة له .
وعلى الله قصد السبيل
شعبان شحاته
الثلاثاء، 27 أكتوبر 2009
الجدل في القرآن الكريم ( 1 )
من دروس علوم القرآن .
يدور الجدل في أصله اللغوي على معاني القوة والصلابة وشدة البأس
والجدْل بمعنى الفتل – كما جاء في اللسان - ويقال: جدَل الشيءُ؛ أي قوِي، وجدل خصمَه: صرعه على الجدالة؛ أي الأرض، وكان من ذلك أن جادله بمعنى ناقشه وخاصمه، وأنَّ الجدل شِدَّة الخُصومة والقُدرة عليها.
وهذا المعنى اللغوي هو المقصود تماما حيث إن الخصم يريد أن يفتل منافسه ويلويه ليقوي به رأيه .
كما أنه يريد أن يصرعه ويغلبه ولكن بالحجة والبرهان .
والجدل إذًا ضرْبٌ من الخُصومة والمغالبة بالحُجَّة، يثور بين المتجادلين في قضيَّة ليسوا فيها على رأْيٍ واحد، فيحاول كلٌّ أن تَكونَ له الغلبةُ فيه والانتصار بِما يُدْلِي به من حُجج، ويصطنع فيه من وسائل الإقناع؛ مثلهما كمثل المصطرعين، لا يزال كلاهما بصاحبه يعالج مقاومته حتى ينتصر عليه، ويلقي به على الأرض واهنًا مخذولاً.
كأن الجد هو المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة .
والله- عز وجل – يؤدب عباده في شخص رسوله الكريم بما يكفل للجدل أن يصل إلى الحقيقة التي دعتهم إليه، فيقول سبحانه: {
( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هو أحسن ) النحل 125.
- والحق يعرض من قبل الرسول والدعاة على الناس فمنهم من يقبل الحق ويتبعه .
ومنهم من يشك ويتردد , ومنهم من يجادل بالباطل ليدحض به الحق ؛ فهذا لابد أن يقارع بالحجة ويغالب بالبرهان والدليل .
- والجدل منه المحمود ومنه المذموم :
فالأول : مثل : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هو أحسن ) النحل 125.
وهذا للرسول نفسه صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين .
وللمؤمنين عامة : ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم ) العنكبوت 46 .
والثاني وهو الجدل المذموم :
جدال الكفار بغرض المعاندة والمكابرة .( وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق )غافر الآية 5.
وجدال المرء من أجل الهوى والانتصار للرأي , وإكساب القلوب العداوة والبغضاء بدلا من المحبة والإخاء .
وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عنه :
**أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء و إن كان محقا و بيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب و إن كان مازحا و بيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه .
تخريج السيوطي عن أبي أمامة.
تحقيق الألباني
(حسن) انظر حديث رقم : 1464 في صحيح الجامع .
الأربعاء، 7 أكتوبر 2009
أنواع الحج
كيفية الإحرام ومعرفة الأفضل من الإفراد والتمتع والقران
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وبعد ....
اعلم أن المحرم إما أن يريد بإحرامه الحج فقط وحينئذ يسمى مفردًا .
وإما أن يريد العمرة أولا ، ثم يتحلل ، ثم يحرم بالحج في نفس العام ، ويسمى متمتعا ، وسبب التسمية أنه أخذ فرصة تمتع فيها بالتحلل من الإحرام ، بين ، العمرة والحج .
وإما أن يريد القران ، وهو الجمع بين ، العمرة والحج في إحرام واحد ، بحيث لا يتحلل إلا بعد الانتهاء من أعمال العمرة .
وقد أجمع العلماء على جواز الأنواع الثلاثة : الإفراد والتمتع والقران .
والإفراد : أن يحرم بالحج في أشهره ، ويفرغ منه ، ثم يعتمر بعده أو لا يعتمر..
والتمتع : أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها ، ثم يحرم بالحج في نفس العام...
والقران : أن يحرم بهما معا ويتمم عملهما بدون تحلل حتى ينتهي من الحج...
ويعتبر قارنا أيضا من أحرم بالعمرة ابتداء وقبل أن يطوف لها نوى الحج معها .
وكل مسلم مخير بين التمتع والإفراد والقران ، يفعل أيها شاء فرضا كان أو نفلا ، وقد دل على ذلك قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا من أهل بعمرة ، ومنا من أهل بحج وعمرة ، ومنا من أهل بحج متفق عليه فذكرت التمتع أولا ، ثم القران ثم الإفراد .
واختلف الصحابة ومن بعدهم من التابعين والمتأخرين في الأفضل من الثلاثة 0
فالتمتع اختاره ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وعائشة والحسن وعطاء وطاوس ومجاهد وجابر بن زيد والقاسم وسالم وعكرمة وأحمد بن حنبل وهو أحد قولي الشافعي 0
وذهب جمع من الصحابة والتابعين وأبو حنيفة وإسحاق ، ورجحه جماعة من الشافعية ، منهم النووي والمزني وابن المنذر وأبو إسحاق المروزي وتقي الدين السبكي إلى أن القران أفضل .
وذهب جماعة من الصحابة ، وجماعة ممن بعدهم وجماعة من الشافعية وغيرهم ، ومن أهل البيت : الهادي والقاسم والإمام يحيى وغيرهم إلى أن الإفراد أفضل .
واختلافهم هذا ناشئ - والله أعلم - عن اختلافهم في : هل كان النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع قارنا أو كان متمتعا أو كان مفردا ؟ فقد قيل بكل واحد منها .
وهل إخباره صلى الله عليه وسلم أصحابه في حجة الوداع بأنه لولا سوقه الهدي لتمتع - كان لتفضيل التمتع على القران ، أو كان جبر خاطر للمتمتعين ، الذين حزنوا لأنهم لم يقرنوا كما قرن النبي صلى الله عليه وسلم حسب فهمهم ؟ .
والخلاصة : أن منهم من فضل التمتع , وأتبعه القران في الأفضلية , ثم الإفراد . ومنهم من قال غير ذلك 0
والله أعلم .
وكيفية النطق بالإحرام أن يقول بعد أن ينوي بقلبه العمرة ، أو الحج ، أو هما معا :
اللهم إني أريد العمرة فيسرها لي وتقبلها مني... إن كان متمتعا .
أو يقول : اللهم إني أريد الحج فيسره لي وتقبله مني... إن كان مفردًا .
أو يقول : اللهم إني أريد العمرة والحج فيسرهما لي وتقبلهما مني إن كان قارنا .
ثم يلبي بعد ذلك مباشرة بإحدى الصيغ الواردة في التلبية .
وعلى الله قصد السبيل .
جمع المادة / شعبان شحاته .
الثلاثاء، 6 أكتوبر 2009
بناء الكعبة والمسجد الحرام
الكعبة هي البيت الحرام ، قال تعالى جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس
ويسن دخولها لمن استطاع سواء أكان حاجا أم غير حاج ، فيكبر الداخل في نواحيها ويصلي فيها لقول ابن عمر : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة هو وأسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة ، فأغلقوا عليهم ، فلما فتحوا أخبرني بلال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في جوف الكعبة عند الركنين اليمانين أخرجه الشيخان وينبغي لداخل الكعبة أن يكون متواضعا خاشعا خاضعا ؛ لقول عائشة رضي الله عنها : عجبا للمرء المسلم إذا دخل الكعبة كيف يرفع بصره قبل السقف ؟ ! يدع ذلك إجلالا لله تعالى وإعظاما . دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة ، ما خلف بصره موضع سجوده حتى خرج منها أخرجه البيهقي والحاكم وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين .
(هذا) ودخول الكعبة ليس من مناسك الحج عند الجمهور لقول ابن عباس رضي الله عنهما : أيها الناس ! إن دخولكم البيت ليس من حجكم في شيء أخرجه الحاكم بسند صحيح
الكعبة بناء مربع الشكل تقريبا ، مبني بالحجارة الزرقاء ارتفاعه خمسة عشر مترا ، وطول ضلعه الشمالي نحو (10) عشرة أمتار ، والغربي 15 ، 12 ، والجنوبي 25 . 10 والشرقي 88 . 11 وفيه الباب وهو مرتفع عن الأرض بنحو مترين ، ويحيط بالكعبة من أسفلها بناء من الرخام يسمى الشاذروان والأدلة الصحيحة تفيد أن أول من بناها إبراهيم عليه السلام ومعه إسماعيل وقيل أول من بناه الملائكة ، ثم آدم ، ثم أولاده ، ثم نوح ، ثم إبراهيم عليه السلام .
بناء المسجد الحرام
المسجد الحرام من عهد سيدنا إبراهيم عليه السلام إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الصديق رضي الله عنه ليس له جدار يحيط به ، وكانت الدور محيطة به وكانت حدوده حدود المطاف الآن .
وقد زيد فيه عدة زيادات على الوجه الآتي
(أولا) | في عهد عمر بن الخطاب سنة - 17 - هـ اشترى عمر دورا من أهلها ، ووسعه بها ، وأبى بعضهم أن يأخذ الثمن وامتنع من البيع ، فوضع عمر أثمانها في خزانة الكعبة فأخذوها . وقال لهم عمر : إنما نزلتم على الكعبة ، فهو فناؤها ، ولم تنزل الكعبة عليكم ، ثم جعل على المسجد جدارا دون القامة . |
(ثانيا) | في سنة - 26 - هـ اشترى عثمان رضي الله عنه دورا وسع بها المسجد ، وقد أبى قوم البيع ، فهدم عليهم دورهم ، فصاحوا به فأمر بحبسهم حتى شفع فيهم عبد الله بن خالد بن أسيد فأخرجهم ، وجعل المسجد أروقة (البواكي) . |
(ثالثا) | في سنة - 64 هـ اشترى عبد الله بن الزبير دورا وسع بها المسجد من الجانب الشرقي والجانب الجنوبي توسعة كبيرة . |
(رابعا) | في سنة -75- هـ حج عبد الملك بن مروان ، فأمر برفع جدار المسجد وسقفه بالساج . |
(خامسا) | وسعه ابنه الوليد بن عبد الملك وسقفه بالساج المزخرف ، وآزره (قواه) من داخله بالرخام وجعل له شرفا . |
(سادسا) | أمر أبو جعفر المنصور زياد بن عبد الله الحارثي أمير مكة بتوسعة المسجد فوسعه في المحرم سنة 137 هـ من جانبيه الشمالي والغربي فزاده ضعفا ما كان عليه . |
(سابعا) | في سنة - 140 - هـ حج أبو جعفر المنصور ورأى حجارة حجر إسماعيل بادية فأمر عامله زياد بن عبد الله بتغطيتها بالرخام ليلا فنفذ أمره . |
(ثامنا) | في سنة - 161 - هـ وسع المهدي بن المنصور المسجد من الجانبين : الجنوبي والغربي حتى صار واسعا جدا . |
(تاسعا) | في سنة - 281 - هـ أمر المعتضد العباسي أن يجعل ما بقي من دار الندوة - في الجهة الشمالية للمسجد - مسجدا يوصل بالمسجد الحرام فجعلت مسجدا به أساطين - أعمدة - وأروقة . |
(عاشرا) | في سنة - 376 - هـ أمر جعفر المقتدر بالله أن يبني في الجهة الغربية من المسجد مسجدا يوصل به ، فنفذ ، وتسمى هذه الزيادة ، زيادة باب إبراهيم . |
(حادي عشر) | في سنة - 979 - هـ أمر السلطان سليم الثاني ببناء المسجد الحرام على أحسن إتقان وأبدع نظام ، وأن يستبدل السقف بقباب دائرة بالأروقة ، ليؤمن من تآكل الخشب ، فكلف الوالي على مصر - سنان باشا - فاختار من قام بهذه المهمة ، وهو كبير المهندسين ، بمصر المعلم محمد المصري وبدىء في العمل سنة - 980 - وتم العمل سنة - 84 ؟ - في آخرها . |
(ثاني عشر) | اهتم الملك سعود بن عبد العزيز بتوسعة المسجد الحرام بمشروع (توسعة المسجد الحرام) فأصدر أمره الكريم بدراسة المشروع لتوسعته توسعة شاملة كاملة ، فقامت بذلك لجان ، وفي يوم الأحد الرابع من ربيع الأول سنه 1375 هـ الموافق 20 من نوفمبر سنة 1955 م بدىء في العمل وفي يوم 23 من شعبان سنة 1375 هـ الموافق 5 من إبريل سنة 1956 م احتفل بوضع الحجر الأساسي لذلك المشروع العظيم . |
وقد تم الآن ما يأتي :
( أ ) | تحويل القسم الأكبر من طريق المسعى إلى الطريق الجديد (شارع الملك سعود) مارا خلف الصفا إلى أن يلتقي بالطريق الأول . |
( ب ) | تم فيها بين الصفا والمروة بناء المسعى بطابقيه ، وطوله من الداخل - 5 ، 394 - مترا وعرضه عشرون مترا ، وارتفاع الطابق الأول 12 مترا ، والثاني 9 أمتار . |
(جـ) | تم بناء (سلم) دائري للصفا وآخر للمروة . |
( د ) | أقيم وسط المسعى حاجز مرتفع قليلا جعل المسعى قسمين : أحدهما للذهاب والآخر للرجوع . |
(هـ) | تبلغ مساحة المسجد بالتوسعة السعودية - 76919 - ستة وسبعين ألفا وتسعمائة وتسعة عشر من الأمتار المربعة ، وتساوي 12 سهما و 7 قراريط و 18 فدانا . |
وللمسجد الآن خمسة وعشرون بابا ، منها ثمانية شمالية وسبعة جنوبية ، وخمسة غربية وخمسة شرقية .
الجمعة، 7 أغسطس 2009
من فقه الصيام في رمضان
فقه الصيام
إفطار الكبير والحامل والمرضع
يجوز للشيخ الكبير الذي يجهده الصوم ويشق عليه مشقة شديدة، ومثله المرأة العجوز طبعًا، يجوز لهما أن يفطرا في رمضان، ومثلهما كل مريض لا يرجى شفاؤه من مرضه.
المريض مرضًا مزمنًا، قرر الأطباء أنه مستعص على العلاج، أو أنه مزمن معه، يجوز له أن يفطر، وهؤلاء إذا أفطروا عليهم فدية طعام مسكين عن كل يوم، رخصة من الله وتيسيرًا . وقال تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (البقرة: 185)، (وما جعل عليكم في الدين من حرج) (سورة الحج: 78) وقال ابن عباس رضي الله عنهما: " رخص للشيخ الكبير أن يفطر، ويطعم عن كل يوم مسكينًا، ولا قضاء عليه " (رواه الدارقطني والحاكم وصححاه)، وروى البخاري عنه قريبًا من هذا: أن في الشيخ الكبير ونحوه نزل قوله تعالى: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرًا فهو خير له) (البقرة: 184) أي من زاد عن طعام المسكين فهو أفضل وأبقى له عند الله . فالشيخ الكبير، والمرأة العجوز، والمريض الذي لا يرجى برؤه من مرضه، كل هؤلاء لهم أن يفطروا ويتصدقوا عن كل يوم طعام مسكين.
هل يصح للمرأة الحامل أن تفطر في رمضان إذا خافت على جنينها أن يموت ؟
نعم .. لها أن تفطر .. بل إذا تأكد هذا الخوف أو قرره لها طبيب مسلم ثقة في طبه ودينه، يجب عليها أن تفطر حتى لا يموت الطفل، وقد قال تعالى :(ولا تقتلوا أولادكم) (الأنعام: 151، والإسراء: 31) وهذه نفس محترمة، لا يجوز لرجل ولا لامرأة أن يفرط فيها ويؤدي بها إلى الموت . والله تعالى لم يعنت عباده أبدًا، وقد جاء عن ابن عباس أيضًا أن الحامل والمرضع ممن جاء فيهم (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين).
وإذا كانت الحامل والمرضع تخافان على أنفسهما فأكثر العلماء على أن لهما الفطر وعليهما القضاء فحسب .. وهما في هذه الحالة بمنزلة المريض.
أما إذا خافت الحامل أو خافت المرضع على الجنين أو على الولد، نفس هذه الحالة اختلف العلماء بعد أن أجازوا لها الفطر بالإجماع هل عليها القضاء أم عليها الإطعام تطعم عن كل يوم مسكينًا، أم عليها القضاء والإطعام معًا، اختلفوا في ذلك، فابن عمر وابن عباس يجيزان لها الإطعام وأكثر العلماء على أن عليها القضاء، والبعض جعل عليها القضاء والإطعام، وقد يبدو لي أن الإطعام وحده جائز دون القضاء، بالنسبة لامرأة يتوالى عليها الحمل والإرضاع، بحيث لا تجد فرصة للقضاء، فهي في سنة حامل، وفي سنة مرضع، وفي السنة التي بعدها حامل .. وهكذا .. يتوالى عليها الحمل والإرضاع، بحيث لا تجد فرصة للقضاء، فإذا كلفناها قضاء كل الأيام التي أفطرتها للحمل أو للإرضاع معناها أنه يجب عليها أن تصوم عدة سنوات متصلة بعد ذلك، وفي هذا عسر، والله لا يريد بعباده العسر. هذا بالنسبة للسؤال الثاني.
من غلبه الجوع والعطش وخاف الهلاك
ومن أصحاب الأعذار من يجب عليه الفطر وجوبًا، ولا يكون مجرد رخصة.
قال العلماء: من غلبه الجوع والعطش فخاف الهلاك لزمه الفطر، وإن كان صحيحًا مقيمًا، لقوله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) (النساء: 29)، وقوله: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) (البقرة: 195). وقوله: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) (الحج: 78).
ويلزم القضاء كالمريض (انظر: المجموع للنووي -6 / 258).
الحامل والمرضع
للمرأة في أحكام الصيام نصيب أكبر من الرجل، فهي تشاركه في عامة الأحكام وتختص هي بأمور لا يشاركها فيها.
ذلك أن القدر حملها ما لم يحمل الرجل من متاعب الحياة، فهي تعاني الدورة الشهرية التي كتبها الله على بنات آدم، أو ما يسمى في الشرع (الحيض) ومثله حالة الولادة أو النفاس، وهما العذران اللذان أوجبا عليها الفطر، وحرم عليها الصوم بسببهما.
وقبل الولادة، تكون حالة الحمل، وهي كما صورها القرآن، وهو يوصي الإنسان بالإحسان بوالديه، فيقول: (حملته أمه كرهًا ووضعته كرها) (الأحقاف :15).
وفي آية أخرى: (حملته أمه وهنا على وهن) (لقمان :14).
إنها حالة الوحم والغثيان والثقل والألم، التي تتحملها الأم طوال تسعة أشهر صابرة، بل سعيدة راضية حتى يخرج جنينها إلى نور الحياة.
وبعد الولادة وما يصحبها من آلام تبدأ مرحلة أخرى، هي مرحلة الإرضاع والفصال التي قد تطول إلى عامين، كما قال تعالى: (وفصاله في عامين) (لقمان: 14) وقال: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) (البقرة: 233).
والمرأة في حالة الحمل قد تخاف على نفسها من مشقة الصوم، وقد تخاف على حملها في بطنها الذي أصبح جزءا منها، فغذاؤه منها، وبقاؤه بها، أو تخاف عليهما معا.
وهي في حالة الرضاع أيضًا قد تخاف على نفسها أو على رضيعها. أو على الاثنين جميعا.
فما الحكم في مختلف هذه الحالات؟
لقد أجمع الفقهاء على أن من حق كل منهما (الحامل والمرضع) أن تفطر في كل هذه الأحوال، وفي هذا جاء حديث: " إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن الحامل والمرضع الصوم" (رواه النسائي وابن ماجه).
ولكن ماذا عليهما، بعد أن تفطرا ؟.
أتعاملان معاملة المريض العادي، فيجب عليهما قضاء عدة من أيام أخر بعد أن تنتهي حالة الحمل والإرضاع؟.
أم تعاملان معاملة الشيخ الكبير والمرأة العجوز، والمريض الذي لا يرجى برؤه فتفديان وتطعمان عن كل يوم مسكينًا، أو تعفيان من الفدية أيضا؟.
أم يختلف حكم الحامل عن حكم المرضع، وحكم من تخاف على نفسها، ومن تخاف على ولدها؟.
بكل احتمال من هذه الاحتمالات قال بعض الفقهاء.
ومعظم الفقهاء، أخذوا بالاحتمال الأول وعاملوا كلتيهما معاملة المريض وقالوا: تفطران وتقضيان.
ومذهب ابن عمر وابن عباس من الصحابة، وابن جبير وغيره من التابعين: أن عليهما الفدية، أي الإطعام، ولا قضاء عليهما.
روى عبد الرزاق في مصنفه: أن ابن عمر سئل عن امرأة أتي عليها رمضان وهي حامل؟ قال: تفطر وتطعم كل يوم مسكينًا.
وروي عن ابن عباس: أنه كان يأمر وليدة له حبلى، أن تفطر في شهر رمضان، وقال: أنت بمنزلة الكبير لا يطيق الصيام، فأفطري، وأطعمي عن كل يوم نصف صاع من حنطة.
وعن سعيد بن جبير قال: تفطر الحامل التي في شهرها، والمرضع التي تخاف على ولدها، تفطران، وتطعم كل واحدة منهما، كل يوم مسكينًا، ولا قضاء عليهما.
وروي نحو ذلك عن القاسم بن محمد وقتادة وإبراهيم.
كما روى عبد الرزاق عن بعض السلف أيضًا، أن على الحامل والمرضع القضاء ولا تطعمان (انظر المصنف لعبد الرزاق -4 / 216 - 219).
وذكر ابن كثير الخلاف الكثير بين العلماء في شأنهما قال: فمنهم من قال: تفطران وتفديان وتقضيان وقيل: تفديان فقط، ولا قضاء. وقيل: يجب القضاء بلا فدية. وقيل: تفطران ولا فدية ولا قضاء ( تفسير ابن كثير -215/1).
والذي أرجحه هو الأخذ بمذهب ابن عمر وابن عباس في شأن المرأة التي يتوالى عليها الحمل والإرضاع، وتكاد تكون في رمضان، إما حاملا، وإما مرضعا. وهكذا كان كثير من النساء في الأزمنة الماضية، فمن الرحمة بمثل هذه المرأة ألا تكلف القضاء وتكتفي بالفدية، وفي هذا خير للمساكين وأهل الحاجة.
أما المرأة التي تتباعد فترات حملها، كما هو الشأن في معظم نساء زمننا في معظم المجتمعات الإسلامية، وخصوصًا في المدن. والتي قد لا تعاني الحمل والإرضاع، في حياتها إلا مرتين أو ثلاثًا، فالأرجح أن تقضي كما هو رأي الجمهور.
إذ الحكم مبني على مراعاة التخفيف، ورفع المشقة الزائدة، فإذا لم توجد ارتفع الحكم معها، إذ الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا.
قضاء رمضان
ومن كان عليه صيام أيام من رمضان، أفطر فيه بعذر، كالمريض والمسافر والحائض، والنفساء، ومن شق عليه الصوم، مشقة شديدة، فأفطر، والحامل والمرضع، عند من يرى عليهما القضاء، فينبغي له أن يبادر بقضاء ما فاته بعدد الأيام التي أفطر فيها، تبرئة لذمته، ومسارعة إلى أداء الواجب، واستباقًا للخيرات.
أما المريض والمسافر فقضاؤهما ثابت بالقرآن: (فعدة من أيام أخر) وأما قضاء الحائض والنفساء، فهو ثابت بالسنة، عن عائشة: كنا نحيض في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فكنا نؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة.
ولا يأثم بالتأخير مادام في نيته القضاء لأن وجوب القضاء على التراخي، حتى كان له أن يتطوع قبله على الصحيح.
ويدل على ذلك أن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يكون علىَّ الصيام من رمضان، فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان (متفق عليه، اللؤلؤ والمرجان -703).
وكذلك من أفطر بغير عذر من باب أولى، كمن أفسد صومه عامدًا، بما يوجب الكفارة، كالجماع، أو بما لا يوجب الكفارة، كالأكل أو الشرب، عند أكثر الفقهاء فعليه القضاء أيضًا، كما بينا ذلك في موضعه.
ويجوز أن يكون قضاء رمضان متتابعًا وهو أفضل، مسارعة إلى إسقاط الفرض، وخروجًا من الخلاف (فقد أوجبه بعض العلماء لأن القضاء يحكى الأداء، وهو متتابع) وأن يقضيه مفرقًا، وهو قول جمهور السلف والخلف، وعليه ثبتت الدلائل، لأن التتابع إنما وجب في الشهر لضرورة أدائه فيه، فأما بعد انقضاء رمضان، فالمراد صيام عدة ما أفطر، ولهذا قال تعالى: (فعدة من أيام أخر) ولم يشترط فيها تتابعا.. بل قال بعدها: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر).
ومن أفطر في قضاء رمضان متعمدًا ولو بالجماع فلا كفارة عليه، وإنما عليه يوم مكان يوم، وذلك لأن الأداء متعين بزمان له حرمة خاصة، فالفطر انتهاك له، بخلاف القضاء، فالأيام متساوية بالنسبة إليه.
ومن أتى عليه رمضان آخر، ولم يقض ما عليه من رمضان الفائت، فإن كان ذلك بعذر فلا شيء عليه بالإجماع، لأنه معذور في تأخيره.
وإن كان تأخيره للقضاء بغير عذر، فقد جاء عن عدد من الصحابة: أن عليه عن كل يوم إطعام مسكين، كفارة عن تأخيره.
وأخذ بذلك مالك والثوري والشافعي وأحمد وغيرهم (المغني مع الشرح الكبير -81/2).
وهناك رأي آخر: أن لا شيء عليه غير القضاء وهو رأي النخعي وأبو حنيفة وأصحابه، ورجحه صاحب (الروضة الندية) لأنه لم يثبت في ذلك شيء، صح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وغاية ما فيه آثار عن جماعة من الصحابة من أقوالهم، وهي ليست حجة على أحد، ولا تعبد الله بها أحدًا من عباده، والبراءة الأصلية، مستصحبة فلا ينقل عنها إلا ناقل صحيح (الروضة الندية لصديق حسن خان -232/1).
وأرى الأخذ بما جاء عن الصحابة على سبيل الاستحباب، لا الوجوب، فهو نوع من جبر التقصير بالصدقة، وهو أمر مندوب إليه. أما الوجوب فيحتاج إلى نص من المعصوم ولم يوجد.
وهل يجوز الجمع بين نيتين في القضاء ؟ بمعنى لو قضى الصائم يومين في شوال فهل يجوم له أن يجمع بين نية القضاء ونية جعلهما من الأيام الستة من شوال ؟ .
رأى الشافعية وغيرهم أن ذلك جائز ولا بأس به . والله أعلم .
جمع المادة / شعبان شحاته
الأحاديث الضعيفة الواردة في فضل رمضان
هذه وقفة مع بعض الأحاديث الضعيفة أردت التنبيه عليها لكثرة تداولها بين الناس في رمضان ونسبتها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مع ضعفها أو كونها موضوعة :
1- حديث : ( اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان ) رواه البزار والطبراني وفي سنده زائدة بن أبي الرقاد ، قال عنه البخاري : منكر الحديث . وضعفه النسائي ، وابن حبان . وقد بيَّن بطلانه ابن حجر في ( تبيين العجب بما ورد في رجب ) .
2- حديث : ( اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام ) رواه الترمذي 3447 وضعفه . وفي سنده سليمان بن سفيان : ضعيف . وقال الهيثمي : في إسناده عند الطبراني : عثمان بن إبراهيم الحاطبي ضعيف . وقال ابن القيم : في أسانيد طرق هذا الحديث لين . وقال : يذكر عن أبي داود في بعض نسخه أنه قال : ليس في هذا الباب حديث مسند .
3- حديث : ( أظلكم شهر عظيم .. وذكر فيه : أن أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار ) ... إلخ . وهو معروف بحديث سلمان الفارسي . مع الأسف كثيرًا ما نسمع من الخطباء من يجعل خطب هذا الشهر في شرح هذا الحديث مع أنه حديث باطل . رواه ابن خزيمة وقال : إن صح الخبر . وفي سنده علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف ، وسعيد بن المسيب لم يسمع منه ، وفي إسناده اضطراب وفي متنه نكارة .
4- حديث : ( لو يعلم العباد ما في رمضان لتمنت أمتي أن يكون رمضان السنة كلها ) رواه أبو يعلى 9/180 وقال : في سنده جرير بن أيوب ضعيف . وأخرجه ابن خزيمة 1886 وقال : إن صح الخبر .
5- حديث : ( صوموا تصحوا ) أخرجه أحمد 2/380 والطبراني وأبو نعيم والحاكم ، وهو حديث ضعيف .
6- حديث عبدالرحمن بن سمرة الطويل : ( إني رأيت البارحة عجبًا .. رأيت رجلاً من أمتي يلهث عطشًا كلما ورد حوضًا مُنع وطُرد . فجاءه صيامه فسقاه وأرواه ) رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما سليمان بن أحمد الواسطي ، وفي الآخر خالد بن عبدالرحمن المخزومي ، وكلامها ضعيف . انظر : ( إتحاف السادة المتقين 8/119 ) وضعَّفه ابن رجب .
7- حديث : ( الصائمون ينفخ من أفواههم ريح المسك ، ويوضع لهم مائدة تحت العرش ) ذكره السيوطي في الدر المنثور 1/182 وضعَّفه ابن رجب وغيره .
8- حديث : ( إن الجنة لتزخرف وتنجد من الحول إلى الحول لدخول رمضان فتقول الحول العين : يا رب ، اجعل لنا في هذا الشهر من عبادك أزواجًا ) رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه الوليد بن الوليد القلانسي ، وهو ضعيف .
9- حديث : ( الصائم إذا أُكل عنده صلت عليه الملائكة ) أخرجه ابن خزيمة والترمذي 784 ، وابن ماجه 1748 ، والطيالسي 1666 ، وهو حديث ضعيف . انظر الضعيفة 1332 .
10- حديث : ( أحب العباد إلى الله أعجلهم فطرًا ) أخرجه أحمد 2/329 ، وابن حبان 886 ، والبيهقي 4/237 ، والبغوي 1732 ، وفي سنده قرة بن عبدالرحمن حيوئيل وهو ضعيف ، وأخرجه ابن خزيمة 2062 ، والترمذي 700 وضعَّفه ، وجاء عند البخاري ومسلم : ( يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ) .
11- حديث : ( نوم الصائم عبادة ) أورده السيوطي في الجامع الصغير 9293 وعزاه للبيهقي ورمز له بالضعف من طريق عبدالله بن أبي أوفى . وضعفه زين الدين العراقي والبيهقي والسيوطي . انظر الفردوس 4/248 ، وإتحاف السادة 4/322 .
12- حديث : ( رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ، ورب قائم حظه من قيامه السهر ) رواه ابن ماجه 1690 وفي سنده أسامة بن زيد العدوي ضعيف ، ومعناه صحيح .
13- حديث : ( من صلى العشاء الآخرة في جماعة في رمضان فقد أدرك ليلة القدر ) أخرجه الأصبهاني وأبو موسى المديني . وذكره مالك بلاغًا 1/321 وهو مرسل من كلام ابن المسيب ، وجاء عند ابن خزيمة 2195 وفي سنده عقبة بن أبي الحسناء مجهول كما قال ابن المديني . فهو ضعيف .
14- حديث : ( كان إذا دخلت العشر اجتنب النساء واغتسل بين الأذانين ، وجعل العشاء سحورًا ) حديث باطل ، في سنده حفص بن واقد . قال ابن عدي : هذا الحديث من أنكر ما رأيت له . وجاء هذا الحديث بعدة أسانيد كلها ضعيفة .
15- حديث : ( من صام بعد الفطر يومًا فكأنما صام السنة ) ، وحديث : ( الصائم بعد رمضان كالكار بعد الفار ) ذكره صاحب كنز العمال 24142 وهو حديث ضعيف .
16- حديث : ( من صام رمضان وشوال والأربعاء والخميس دخل الجنة ) رواه أحمد 3/416 وفيه راوٍ لم يسمَّ ، والحديث ضعيف على كل حال .
17- حديث : ( لا تكتحل بالنهار وأنت صائم ) رواه أبو داود 2377 وقال : قال ابن معين : هو حديث منكر .
18- حديث : ( ذاكر الله في رمضان مغفور له ) أورده السيوطي في الجامع الصغير 4312 وعزاه للطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب . وفي سنده هلال بن عبدالرحمن وهو ضعيف .
19- حديث : ( الصوم في الشتاء ) رواه الترمذي 797 وهو مرسل ، وفي سنده نمير بن عريب . لم يوثقه غير ابن حبان . وهو ضعيف ، وكذلك حديث : ( الشتاء ربيع المؤمن ) ضعيف ومعناه صحيح .
20- حديث : ( استعينوا بطعام السحر على صيام النهار ، وبالقيلولة على قيام الليل ) أخرجه الحاكم وابن ماجه وفي سنده زمعة بن صالح وسلمة بن وهرام ضعيفان ، فالحديث ضعيف .
21- حديث : ( من أفطر يومًا من رمضان من غير عذر لم يجزئه صيام الدهر كله ولو صامه ) أخرجه أبو داود 2396 ، والترمذي 723 وقال : لا نعرفه إلا من هذا الوجه . وقال : سمعت محمدًا - يعني البخاري - يقول : في سنده أبو المطوس ولا أعرف له غير هذا الحديث , وقال ابن حجر في الفتح 4/161 : تفرد به أبو المطوس ولا أردي أسمع من أبي هريرة أم لا ، وقال الذهبي في الصغرى : لا يثبت .
22- حديث : ( اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت ) رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة 481 ، وأبو داود 2358 وفي سنده عبدالملك بن هارون بن عنترة ضعفه أحمد والدارقطني . وقال : قال يحيى : هو كذا . وقال أبو حاتم : متروك . وقال ابن القيم في زاد المعاد 2/51 : لا يثبت هذا الحديث .
23- حديث : ( ثلاثة لا يفطرن الصائم : الحجامة والقيء والاحتلام ) رواه الترمذي 719 وضعفه . بل الحجامة تفطر ، والقيء إذا تعمد يفطر ، أما الاحتلام فلا .
24- حديث : ( تحفة الصائم الدهن والمجمر ) رواه الترمذي 801 وضعفه . وفي سنده سعد بن طريف ضعيف .
25- حديث : ( إن لله في كل ليلة ستمائة ألف عتيق من النار ، فإذا كان آخر ليلة أعتق الله بعدد ما مضى ) رواه البيهقي وهو مرسل من كلام الحسن البصري .
26- حديث : ( خصاء أمتي الصيام ) قال الألباني في مشكاة المصابيح 1/225 : لم أقف على سنده ، لكن نقل الشيخ القاري 1/461 عن ميرك أن فيه مقالاً .
27- حديث : ( الصوم نصف الصبر ) في سنده موسى بن عبيدة . متفق على ضعفه . وقد أخرجه الترمذي 3519 ، وابن ماجه 1745 ، وأحمد والبيهقي . ضعَّفه الألباني في ضعيف الجامع .
28- حديث : ( من قام ليلة العيد ) . وفي لفظ : ( من أحياها محتسبًا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب ) رواه ابن ماجه وفيه بقية مدلس وقد عنعن ، فالحديث ضعيف .
29- حديث : ( ليس في الصوم رياء ) أخرجه البيهقي عن ابن شهاب الزهري مرسلاً .
30- حديث : ( صيام رمضان بالمدينة كصيام ألف شهر فيما سواه ) وفي لفظ : ( خير من ألف رمضان فيما سواه من البلدان ) أخرجه البيهقي وقال : إسناده ضعيف . وأخرجه الطبراني في الكبير ، والضياء في المختارة . وقال الهيثمي : فيه عبدالله بن كثير وهو ضعيف . وقال الذهبي في الميزان : إسناد مظلم .
31- حديث : ( سيد الشهور شهر رمضان وأعظمها حرمة ذو الحجة ) رواه البزار والديلمي . وفيه يزيد بن عبدالملك النفيلي وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 3/140 .
32- حديث : ( إن في السماء ملائكة لا يعلم عددهم إلا الله فإذا دخل رمضان استأذنوا ربهم أن يحضروا مع أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - صلاة الترايح ) أخرجه البيهقي في الشعب 3/337 موقوفًا على علي . وضعفه السيوطي في الدر المنثور 8/582 ، والمتقي النهدي في كنزل العمال 8/410 .
33- حديث : ( إن للصائم عنده فطره دعوة لا ترد ) أخرجه أحمد 2/305 ، والترمذي 3668 ، وابن خزيمة 1901 ، وابن جاه 1752 وفي سنده إسحاق بن عبيدالله المدني لا يعرف كما قال المنذري ، وقد ضعَّف الحديث ابن القيم في زاد المعاد . والحديث ضعفه الترمذي . وله شاهد عند البيهقي 3/345 وفي سنده أبو مدلة . قال عنه ابن المديني : مجهول . وقال الذهبي : لا يكاد يعرف . فالحديث ضعيف .
وفي الختام كلمة :
ينبغي للمتحدثين والخطباء والموجهين للمجتمع أن يزينوا حديثهم بما صح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – من أخبار وأن يؤكدوها بما ورد من صحيح الآثار ؛ حتى لا تتداول الأحاديث الموضوعة والضعيفة والمنكرة بين العامة , وترتبط بها الآذان ومن الصعب بعدها أن تمحى من الأذهان . ويعود وزرها في النهاية على الخطباء والمتحدثين .
وفي الحديث : ( من يقل عليّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار ) رواه البخاري .
هذا والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
جمع المادة / شعبان شحاته .
Hudahuda2007@ yahoo.com
الأحد، 26 يوليو 2009
كلمة عن مصطلح الحديث
تعريفه : "هو علم بأصول وقواعد يعرف بها أحوال السند والمتن من حيث القبول والرد" .
السند "هو الطريق الموصلة إلى المتن -يعني رجال الحديث- وسموا بذلك لأنهم يسندون الحديث إلى مصدره"
المتن "هو ما انتهى إليه السند من الكلام .
والحديث إما متواتر وإما آحاد .
فالمتواتر :
هو ما نقل عن عدد من الرواة يحصل العلم بصدقهم ضرورة بأن يكونوا جمعا ، لا يمكن تواطؤهم على الكذب ، يروونه عن مثلهم عن مثلهم إلى رسول الله "صلى الله عليه وسلم". والأحاديث المتواترة قليلة طبعا لدقة هذا الشرط .
ولهذا كان مفيدا للعلم الضروري ، ويجب العمل به واختلفوا في تحديد هذا العدد: فمن قائل أربعة ، ومن قائل سبعة ، ومن قائل عشرة ، ومن قائل سبعين , ولم يجمع أهل الفن على عدد معين .
والمتواتر قسمان :
لفظي: وهو ما تواتر لفظه.
ومعنوي : وهو ما تواتر القدر المشترك فيه . وللأول أمثلة كثيرة منها:
ـ حديث (من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار). رواه نحو المائتين.
ـ وحديث المسح على الخفين. رواه سبعون. ـ وحديث رفع اليدين في الصلاة. رواه نحو الخمسين.
ومن أمثلة الثاني: أحاديث رفع اليدين في الدعاء. . وقد روي عنه "صلى الله عليه وسلم" نحو مائة حديث فيها: رفع يديه في الدعاء, ولكنها في قضايا ومواضع مختلفة , فكل موضع منها لم يتواتر ، ولكن القدر المشترك وهو: رفع اليدين في الدعاء تواتر باعتبار المجموع.
الآحاد : وهو ما لم يتوفر فيه شرط التواتر السابق.
وينقسم من حيث القبول والرد إلى :
1 - الحديث الصحيح : هو ما اتصل سنده ، بنقل العدل الضابط عن مثله ، مع السلامة من الشذوذ والعلل.. . ويحتج به ويجب العمل به .
2 - الحديث الحسن :
هو : ما اتصل إسناده بنقل عدل قل ضبطه عن الصحيح غير شاذ ولا معلل .
وخلاصة الأقوال جميعا : أنه أقل من الصحيح ، وفوق الضعيف.
قال الشيخ تقي الدين بن تيمية : (أول من عرف أنه قسم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف أبو عيسى الترمذى , ولم تعرف هذه التسمية عن أحد قبله. وقد بين أبو عيسى مراده بذلك: فذكر أن الحسن مما تعددت طرقه. ولم يكن فيهم متهم بالكذب ، ولم يكن شاذا ، وهو دون الصحيح الذي عرف عدالة ناقليه وضبطهم).
وأما من قبل الترمذي من العلماء ، فما عرف عنهم هذا التقسيم الثلاثي ، لكن كانوا يقسمونه إلى : صحيح ، وضعيف. والضعيف كان عندهم نوعان:
ـ ضعيف ضعفا لا يمتنع العمل به , وهو يشبه الحسن في اصطلاح الترمذي.
ـ وضعيف ضعفا يوجب تركه.. وهو الواهي. انتهى .
• وجمهور المحدثين ، وعامة الفقهاء على أن الحسن كالصحيح في الاحتجاج به ، وإن كان دونه في القوة .
3 - الحديث الضعيف : هو ما لم تتوفر فيه شروط الصحيح ولا الحسن . وله أقسام ومسميات .
فوائد :
إذا صح الحديث فقد وجب العمل به ، وإن لم يخرجه الشيخان ، ولا يترك العمل به لرأي ولا تقليد إمام ولا يوهم إجماع .
الحديـث والخبـر والأثـــر :
تدور هذه الألفاظ الثلاثة على ألسنة المحدثين ، والمشتغلين بهذا الفن ، والمتصلين به .
ـ ومنهم من يعتبرها بمعنى واحد : وأنها جميعا ما أضيف إلى النبي "صلى الله عليه وسلم" قولا أو فعلا أو تقريرا أو صفة.
ـ وقيل: الحديث: ما جاء عن النبي "صلى الله عليه وسلم" خاصة , والخبر: ما جاء عن غيره , والأثر: ما روي عن صحابي أو تابعي .
ـ وقيل : بين الحديث والخبر عموم وخصوص مطلق .. فكل حديث خبر ، وليس كل خبر حديث.
ولعل خير ما يقال في هذا الشأن: إن الحديث إذا أطلق هكذا انصرف إلى ما أثر عن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" خاصة ، وأن الخبر والأثر ينصرفان إلى هذا المعنى بالقرينة المميزة مع صحة إطلاقها على غير الحديث من الأخبار والمرويات عن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم.
ومعلوم أن السنة هي فعل النبي "صلى الله عليه وسلم" أو قوله أو إقراره.
• بدأ وضع الحديث والكذب بعد مقتل خليفة المسلمين عثمان ذي النورين رضي الله عنه , والفتنة التي زلزلت الأمة بين الصحابيين الإمام علي وسيدنا معاوية رضي الله عنهما .
• وصار ثمة أحزاب سياسية , وفرق دينية , والكل أرد أن ينتصر لمذهبه بأحاديث ينسبها إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
• كما تأول بعضهم نصوص القرآن الكريم حسب مشاربهم وأهوائهم ( كما فعل الشيعة) .
• كما دخل في الوضع القصاص والخطباء .
• وسار على نهجهم أولئك الذين أرادوا أن يشعروا الناس بعظمة القرآن وقيمته لما رأوا إنشغال الناس بالمغازي , وبشؤونهم الخاصة .
ولكن الله – تعالى - قيض لهذا العلم رجالا حفظوه فأسسوا لعلم الرجال والجرح والتعديل , والإسناد حتى وصل تراث نبينا إلى الأمة من بعده سالما نقيا , وصدق الله العظيم {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }الحجر9 .
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين . والحمد لله رب العالمين .
الثلاثاء، 30 يونيو 2009
شهر رجب بريء من البدع
د. نايف بن أحمد بن علي الحمد
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد : فإنه في هذه الأيام يكثر السؤال عن شهر رجب ( فضله وصيامه ..) ولعلي في هذه العجالة أذكر بعض الأحكام المتعلقة بهذا الشهر فأقول مستعينا بالله تعالى :
• رجب أحد الأشهر الحُرم :
قال تعالى ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (التوبة:36) والأشهر الحرم هي محرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة عن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب شهر مضر الذي بين جمادى وشعبان ) رواه البخاري (4662) ومسلم ( 1679) .
* وقد سُميت هذه الأشهر حُرما :
1/ لتحريم القتال فيها إلا أن يبدأ العدو . لذا يُسمى رجب الأصم لأنه لا يُنادى فيه يا قوماه أو لأنه لا يُسمع فيه صوت السلاح .
2/ لتحريم انتهاك المحارم فيها أشد من غيرها .
وسُمي رجبٌ رجباً لأنه كان يُرجَّب أي يُعظَّم . ( لطائف المعارف / 225)
* دعاء دخول رجب :
عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا دخل رجب ( اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان ) رواه أحمد 1/259 والبزار (616 زوائد) والطبراني في الأوسط (3939) والبيهقي في الشعب ( 3815) وهو من رواية زائدة بن أبي الرقاد عن زياد النميري قال البخاري ( منكر الحديث ) ا.هـ شعب الإيمان 3/375 وضعفه الحافظان ابن رجب وابن حجر رحمهما الله تعالى ( لطائف المعارف/234) .
• ذبح العتيرة ( الذبيحة ) في رجب ( الرجبية )
استحب بعض العلماء ذبح عتيرة في شهر رجب مستدلين بحديث مخنف بن سليم رضي الله عنه قال : كنا وقوفا مع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات فسمعته يقول : ( يا أيها الناس على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة هل تدرون ما العتيرة ؟ هي التي تسمونها الرجبية ) رواه أحمد 5/76 وأبو داود ( 2788) والنسائي (4224) والترمذي (1518) وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب ولا نعرف هذا الحديث إلا من هذا الوجه من حديث بن عون .ا.هـ وضعفه ابن حزم ( المحلى 7/356 ) وعبد الحق كما في ( تهذيب السنن 4/92) والخطابي في ( المعالم 4/94) وقال ابن كثير " وقد تُكلم في إسناده " ا.هـ ( التفسير 3/225) .
والجمهور على أنها منسوخة بما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا فَرَعَ ولا عَتِيرَة ) رواه البخاري ( 5474) ومسلم (1976) ( أنظر : المحرر 1/250 المغني 9/367 المبدع 3/306 فتح الباري 9/512 لطائف المعارف / 226 بدائع الصنائع 5/62 البحر الرائق 8/197) قال أبو داود : قال بعضهم : الفرع أول ما تنتج الإبل كانوا يذبحونه لطواغيتهم ثم يأكلونه ويلقى جلده على الشجر والعتيرة في العشر الأول من رجب . ( السنن 3/ 104) وذهب بعض العلماء كابن سيرين وأبي عبيد وإسحاق بن راهوية والشافعية إلى أن المنسوخ هو الوجوب . ( المجموع 8/335 تهذيب السنن 4/94 لطائف المعارف /226 الفروع 3/415 المبدع 3/306 وفتح الباري 9/511 نيل الأوطار 5/232 عون المعبود 7/ 343 تحفة الأحوذي 5/85) .
• العمرة في رجب :
يخص بعض المسلمين شهر رجب بعمرة ظنا منهم أن لها فضلا وأجرا والصحيح أن رجبا كغيره من الأشهر لا يخص ولا يقصد بأداء العمرة فيه ، و الفضل إنما في أداء العمرة في رمضان أو أشهر الحج للتمتع , ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في رجب وقد أنكرت ذلك أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها . ( رواه البخاري 1775) .
• بدع شهر رجب :
من العبادات التي أحدثها الناس في شهر رجب ما يلي :
أولا : صلاة الرغائب : وهي اثنتا عشرة ركعة بعد المغرب في أول جمعة بست تسليمات يقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة سورة القدر ثلاثا والإخلاص ثنتي عشرة مرة وبعد الانتهاء من الصلاة يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم سبعين مرة ويدعو بما شاء . وهي بلا شك بدعة منكرة وحديثها موضوع بلا ريب وذكرها ابن الجوزي في ( الموضوعات 2/124) وقال النووي رحمه الله تعالى " واحتج به العلماء على كراهة هذه الصلاة المبتدعة التي تسمى الرغائب قاتل الله واضعها ومخترعها فإنها بدعة منكرة من البدع التي هي ضلالة وجهالة وفيها منكرات ظاهرة وقد صنف جماعة من الأئمة مصنفات نفيسة في تقبيحها وتضليل مصليها ومبتدعها ودلائل قبحها وبطلانها وتضلل فاعلها أكثر من أن تحصر " ا.هـ ( شرح مسلم 8/20 الأدب في رجب للقاري /43 نيل الأوطار 4/337 ) وقال الخطابي رحمه الله تعالى " حديث صلاة الرغائب جمع من الكذب والزور غير قليل " ا.هـ ( الباعث لأبي شامة / 143)وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى " فأما الصلاة فلم يصح في شهر رجب صلاة مخصوصة تختص به والأحاديث المروية في فضل صلاة الرغائب في أول جمعة من شهر رجب كذب وباطل لا تصح وهذه الصلاة بدعة عند جمهور العلماء ... وأول ما ظهرت بعد الأربعمائة فلذلك لم يعرفها المتقدمون ولم يتكلموا فيها " ا.هـ( لطائف المعارف / 228) .
ثانيا : صلاة النصف من رجب : وهو من الأحاديث الموضوعة ( الموضوعات لابن الجوزي 2/126)
ثالثا : صلاة ليلة المعراج :
وهي صلاة تصلى ليلة السابع والعشرين من رجب وتسمى : صلاة ليلة المعراج وهي من الصلوات المبتدعة التي لا أصل لها صحيح لا من كتاب ولا سنة ( أنظر : خاتمة سفر السعادة للفيروز أبادي /150 التنكيت لابن همات /97) ودعوى أن المعراج كان في رجب لا يعضده دليل قال أبو شامة رحمه الله تعالى " ذكر بعض القصاص أن الإسراء كان في رجب وذلك عند أهل التعديل والتجريح عين الكذب " ا.هـ ( الباعث /232 مواهب الجليل 2/408) .
وقال أبو إسحاق إبراهيم الحربي رحمه الله تعالى " أُسري برسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة سبع وعشرين من شهر ربيع الأول" ا.هـ ( الباعث /232 شرح مسلم للنووي 2/209 تبيين العجب /21 مواهب الجليل 2/408 ) .
ومن يصليها يحتج بما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( في رجب ليلة كُتب للعامل فيها حسنات مائة سنة وذلك لثلاث بقين من رجب ..) رواه البيهقي في الشعب 3/374 وضعفه كما ضعفه الحافظ ابن حجر في تبيين العجب (25) وقال القاري " ضعيف جدا " الأدب في رجب / 48 أقول : أمارات الوضع ظاهرة عليه فقد أجمع العلماء على أن أفضل ليلة في السنة ليلة القدر وهذا الخبر يخالف ذلك .
ومن بدع تلك الليلة : الاجتماع وزيادة الوقيد والطعام قال الشيخ علي القاري " لا شك أنها بدعة سيئة وفعلة منكرة لما فيها من إسراف الأموال والتشبه بعبدة النار في إظهار الأحوال " ا.هـ الأدب في رجب /46
* صيام رجب
رجب كغيره من الأشهر لم يرد في الترغيب في صيامه حديث صحيح بل يُشرع أن يصام منه الإثنين والخميس والأيام البيض لمن عادته الصيام كغيره من الأشهر أما إفراده بذلك فلا .
أما ما يذكره الوعاظ والقصاصون في الترغيب في صيام شهر رجب كحديث ( إن في رجب نهرا يقال له رجب ماؤه أشد بياضا من الثلج وأحلى من العسل من صام يوما من رجب شرب منه ) وهو حديث موضوع رواه ابن الجوزي في الواهيات (912) وقال الذهبي " باطل " ا.هـ الميزان 6/524
وحديث ( رجب شهر عظيم يضاعف الله فيه الحسنات فمن صام يوما من رجب فكأنما صام سنة ومن صام منه سبعة أيام غلقت عنه سبعة أبواب جهنم ومن صام منه ثمانية أيام فتح له ثمانية أبواب الجنة ومن صام منه عشر أيام لم يسأل الله إلا أعطاه ومن صام منه خمسة عشر يوما نادى مناد في السماء قد غفر لك ما مضى فاستأنف العمل ومن زاد زاده الله ) رواه البيهقي في الشعب (3801 ) والطبراني في الكبير (5538) وعده الحافظ ابن حجر من الأحاديث الباطلة ( مواهب الجليل 2/408 ) وقال الهيثمي " وفيه عبدالغفور – يعني ابن سعيد - وهو متروك " ا.هـ مجمع الزوائد 3/188 وقد ذكر الحافظان ابن الجوزي وابن حجر رحمهما الله تعالى جملة من الأحاديث الباطلة والموضوعة في فضائل شهر رجب ( أنظر مواهب الجليل 2/408 )
وأختم بما ذكره الحافظان ابن القيم وابن حجر رحمهما الله تعالى تلخيصا لما ذكرناه :
قال ابن القيم " كل حديث في ذكر صوم رجب وصلاة بعض الليالي فيه فهو كذب مفترى " ا.هـ المنار المنيف /96
وقال الحافظ ابن حجر " لم يرد في فضل شهر رجب ولا في صيامه ولا صيام شيء منه معيَّن ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة " ا.هـ تبيين العجب / 11 ( وأنظر : لطائف المعارف /228 ) أسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يوفقنا لاتباع السنة واجتناب البدعة إنه جواد كريم والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الأربعاء، 24 يونيو 2009
باب التصحيح
ما المقصود بالتصحيح في مسائل الميراث ؟
إذا أردنا أن نقسم التركة , فإننا بصدد أموال , وأفراد , فالمطلوب هو أن نحدد نصيب كل فرد بالأرقام :
النصف أو الربع أو الثمن , أو الثلث ...
فإذا فعلنا ذلك وكان نصيب ثلاثة أبناء هو النصف , أو نصيب أربعة هو الثلث ؛
فكيف نوزع هذا المقدار عليهم بدون كسور ؟ .
لتفادي هذه الكسور نلجأ إلى ما يسمى التصحيح .
فكأن التصحيح هو توزيع الأسهم على الورثة بحيث يكون نصيب كل وارث عددا صحيحا بدون كسور .
مثال توضيحي :
أم – ستة أبناء
للأم السدس
فأصل المسألة من 6
للأم سهم واحد وللأبناء 5 أسهم , وهذا الرقم لا يقبل القسمة على عدد الأبناء الستة .
ولذلك سنضرب الرقم 6 وهو عدد الأبناء في أصل المسألة 6
6 × 6 = 36 وذلك ليقبل القسمة على عدد الأبناء .
وبالتالي نضرب النصيب السابق للوارثين × 6
للأم 6 أسهم
والأبناء 30 سهما لكل واحد خمسة أسهم .
مثال آخر :
زوجة - ست بنات – أخ شقيق
للزوجة الثمن
وللبنات الثلثان
والأخ الشقيق يرث الباقي تعصيبا .
فأصل المسألة من 24
للزوجة 3 أسهم
وللبنات 16
والأخ 5
وأنت تلاحظ أن العدد 16 لا يقبل القسمة على رؤوس البنات الست .
وهنا نضرب عدد رؤوس البنات في أصل المسألة كما فعلنا في المسألة السابقة .
ولكنك تلاحظ أن العدد 6 وهو عدد رؤوس البنات , والعدد 16 بينهما توافق , حيث يقبل العددان القسمة على 2 .
وبالتالي سنضرب نصف عدد البنات في أصل المسألة هكذا / 3 × 24 = 72
وبالتالي سنضرب النصيب السابق × 3
فنصيب الزوجة كان 3 أسهم نضربه × 3 = 9
والبنات 16 × 3 = 48
والأخ 5 × 3 = 15
باب الرد
عرفنا أن العول زيادة في الأسهم , والرد يحدث بسبب نقص الأسهم عن أصل المسألة .
والسبب أنه ليس هناك عاصب يأخذ ما بقي بعد أصحاب الفروض .
مثال :
توفيت عن : أم - أخ لأم
فالأم لها الثلث
والأخ له السدس
وأصل المسألة من 6
للأم سهمان
وللأخ سهم
ومجموع هؤلاء ثلاثة , فإلى أين تذهب الأسهم الثلاثة الباقية ؟ .
والجواب : ترد الأسهم الباقية على الورثة بنسبة سهامهم .
فيرد سهمان للأم , وسهم للأخ .
وإذا شئت جعلت أصل المسألة من 3 ثلاثة أسهم فقط , فتأخذ الأم سهمين , والأخ سهما واحدا فرضا وردا .
مثال آخر :
توفي عن :
زوجة - أم - بنت
للبنت النصف 2/1
وللأم السدس 6/1
وللزوجة الثمن 8/1
وأصل المسألة من 24
للبنت 12 سهما – وللأم 4 – وللزوجة 3 . مجموعهم 19 سهما
والخمسة الباقية ترد على الأم والبنت بنسبة 1- 3 ؛ لأن نسبة 4 إلى 12 هي كذلك ,
للأم سهم وثلث
وللبنت ثلاثة أسهم وثلثان .
- والجمهور على أنه لا يرد على الزوجين .
مثال ثالث :
بنتان - أم
للبنتين الثلثان
وللأم السدس
فأصل المسألة من 6
للأم سهم , وللبنتين 4 أسهم
والحل الأسهل أن نجعل هذه الخمسة هي أصل المسألة فترث الأم سهما ,وترث البنتان أربعة أسهم فرضا وردا .
مثال رابع :
أم – أختان لأم
للأم السدس , وللأختين الثلث
فيكون أصل المسألة من ثلاثة : للأم سهم , وللأختين سهمان فرضا وردا .
مثال خامس :
توفيت عن : بنت واحدة .
تحوز كل الميراث , النصف فرضا والباقي ردا .
مثال سادس :
توفيت عن : أخ لأم
يرث السدس فرضا والباقي ردا
وهكذا .
الجمعة، 19 يونيو 2009
العول
1- عرف العول لغة واصطلاحاً.
2- ما أثر زيادة سهام الفروض على أصل المسألة ؟ .
3- ما سبب نقصان أنصباء الفروض؟ .
4- ما الأصول التي تعول؟ .
5- يعول الأصل (ستة) أربعة عولات فما هي؟
6- اذكر أصل المسألة الآتية: (زوج، وشقيقتان).
7- اذكر أصل المسألة الآتية: (زوج، وأم، وأختان من الأب).
8- اذكر أصل المسألة الآتية: (زوج، وشقيقتان، وأخوان لأم).
9- اذكر أصل المسألـة الآتية: (زوج، وأختان من الأب، وأختان من الأم، وجدة).
10- يعول الأصل (اثنا عشر) ثلاثة عولات، فما هي؟
11- اذكر أصل المسألة الآتية: (زوج، وبنتان، وأم).
12- اذكر أصل المسألة الآتية: (زوج، وبنت، وبنت ابن، وأم).
13- اذكر أصل المسألة الآتية: (ثلاث زوجات، وثمان شقائق، وأربع أخوات من الأم، وجدتان).
14- يعول الأصل (أربعة وعشرون) عولاً واحداً فما هو؟
15- اذكر أصل المسألة الآتية: (زوجة، وأبوان، وبنتان).
استفدت في هذا الموضوع من
شبكة التربية الإسلامية الشاملة
الثلاثاء، 16 يونيو 2009
الحجب : معناه وأنواعه
الحجب لغة : المنع . قال في القاموس المحيط حجبه حجباً وحجاباً ستره .
وقال تعالى في سورة المطففين :( كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ) الآية {15}أي أنهم ممنوعون عن رؤية الله تعالى في الآخرة .
قال الشاعر :
له حاجب عن كل أمر يشينه وليس له عن طالب العرف حاجب
وفي الاصطلاح :
منع الوارث من الإرث ، بالكلية أو من أوفر حظيه ، لوجود من هو أولى منه بالإرث .
أقسام الحجب
ينقسم الحجب إلى قسمين :
أ - حجب بالوصف ، وهو حجب عن الميراث بالكلية ويكون فيمن اتصف بأحد موانع الإرث الثلاثة وهي رق أو قتل أو اختلاف دين .
ب - حجب بالشخص ، وهو منع شخص معين من الإرث بالكلية أو من فرض مقدر له إلى فرض أقل منه لوجود شخص آخر أو بمعنى آخر هو أن يوجد شخص أحق بالإرث من غيره فيحجبه عن الميراث .
والحجب بالأشخاص نوعان :
النوع الأول : حجب حرمان
وهو أن يسقط الشخص غيره بالكلية أي حجب عن كل الميراث مع قيام الأهلية للإرث وهذا النوع قد يصيب جميع الورثة إلا ستة حيث إذا وجد أحدهم فلا بد أن يرث من التركة وهم :
الأبوان ( الأب والأم ) والأولاد ( الابن والبنت من الصلب ) والزوجان (الزوج والزوجة ).
النوع الثاني : حجب نقصان
وهو منع شخص من أوفر حظيه أو منعه من بعض إرثه .
وهو سبعة أنواع - أربعة بسبب الانتقال وثلاثة بسبب الازدحام .
الأنواع التي سببها الانتقال هي :-
1 - انتقال من فرض إلى فرض أقل منه :-
وهذا يكون في خمسة هم :
الزوج (من النصف إلى الربع ) - الزوجة (من الربع إلى الثمن ) - الأم ( من الثلث إلى السدس ) - الأخت لأب (من النصف إلى السدس) - بنت الابن ( من النصف إلى السدس) .
2 - انتقال من تعصيب إلى تعصيب أقل منه :-
كانتقال الأخت لغير أم من كونها عصبة مع الغير إلى كونها عصبة بالغير.
الأخوات مع البنات معصبات فلو كانت بنت أو بنت ابن معها أخت شقيقة أو لأب لكان للبنت النصف والباقي للأخت تعصيباً(البنت عصبة مع البنات)أما لو كان معها أخ ( تكون عصبة به ) فإنها تقتسم معه الباقي بعد فرض البنت للذكر مثل حظ الأنثيين.
3 - انتقال من فرض إلى تعصيب أقل منه كانتقال - ذوات النصف إلى التعصيب بالغير.
فالبنت ترث فرضاً النصف وترث مع أخيها الشقيق تعصيباً للذكر مثل حظ الأنثيين فيكون بذلك ورثت الثلث بدل النصف وكذلك بنت الابن والأخت الشقيقة والأخت لأب .
4 - انتقال من تعصيب إلى فرض أقل منه - كانتقال الأب والجد من الإرث بالتعصيب إلى الإرث بالفرض
فلو كان هناك زوجة وأب فللزوجة الربع فرضاً وللأب الباقي (ثلاثة أرباع ) تعصيباً لكن لو وجد ابن ( أو أي فرع وارث ) أنتقل الأب إلى الفرض فيكون للزوجة الثمن والأب السدس والباقي للابن فيكون انتقل من ثلاثة أرباع تعصيباً إلى السدس فرضاً .
وأما التي بسبب الازدحام فهي :-
1 - ازدحام في فرض :
ويكون في سبعة : الزوجات - البنات - بنات الابن - الأخوات الشقائق -الأخوات لأب - أولاد الأم - الجدات
وعلى سبيل المثال : لو كان هناك زوجة واحدة فترث الربع عند عدم وجود الفرع
الوارث ولو كان هناك زوجتين فيشتركان في الربع لكل زوجة ثمن وهكذا .
وكذلك مع البنات :
فلو كانت واحدة لورثت النصف وحدها , أما إذا كانتا اثنتين أو ثلاثا أو أكثر فإن حظها ينقص مع كثرة العدد .
وهكذا مع باقي أصحاب الفرائض .
2 - ازدحام في تعصيب :
كازدحام العصبات في المال أو فيما أبقت الفروض ، وهذا يكون فيه كل العصبة المتساوين في الدرجة والجهة كالابن وابن الابن .
فلو كان الوارث ابنا فقط لورث التركة كلها ولو كانا اثنين لورثا المال بالتساوي لكل واحد النصف وهكذا ..
3 - ازدحام بسبب عول :
كازدحام أصحاب الفروض في الأصول التي يدخلها العول - فإن كل واحد يأخذ فرضه ناقصاً بسبب العول (العول هو زيادة سهام المسألة عن أصلها زيادة يترتب عليها نقص انصباء الورثة
مثال :-
ماتت امرأة عن : أب وأم وزوج وبنتين :
الورثة النصيب 12تعول إلى 15
أب سدس 2
أم سدس 2
بنتين ثلثين 8
زوج ربع 3
فالأب مثلاً نقص نصيبه من سهمين من اثني عشر سهماً إلى سهمين من خمسة عشر سهماً ، والبنتين نصيبهما الثلثان : ثمانية من اثني عشر لكن بالعول نقص إلى ثمانية من خمسة عشر فلولا العول لكان نصيبهما ثمانية من اثني عشر أو عشرة من خمسة عشر( الثلثين ) .
حجب أصحاب الفروض
1 الجد يحجب بأب - وكل جد قريب يحجب الجد البعيد
2 الجدات من أي جهة كن يحجبن بأم .
والأب يحجب أمه ( أم الأب ) وجدته .
3 بنت ابن تحجب بالأبناء أو بما علاها من بني الأبناء وتحجب بالبنتين فوقها إلا إذا صارت عصبة بابن ابن أو ابن
عم المساوي لها بالدرجة أو أنزل منها إن لم يكن لها فرض
4 أخت شقيقة تحجب بأب وابن وابن ابن وإن نزل ( .
5 أخت لأب تحجب بالأب وابن وابن ابن وإن نزل وأخ شقيق وأخت شقيقة إذا صارت الأخت الشقيقة عصبة مع البنات .
وتحجب بالشقيقتين إلا إذا صارت الأخت لأب عصبة بأخيها المبارك فترث معه الباقي
6 الأخوة لأم يحجبون بالأصل وبالفرع الوارث وبفرع فرع الوارث المذكر
الاثنين، 15 يونيو 2009
الوصية الواجبة ( 2 )
سؤال في الوصية الواجبة
نعرض مشكلة نرجو أن نجد حلها :
نحن إخوة ثلاثة أكبرنا في الرابعة عشرة من عمره . مات أبونا في حياة والده، أي في حياة جدنا ثم مات الجد، فاقتسم أعمامنا تركة الجد كلها، ولم يعطونا منها شيئًا، لا قليلاً ولا كثيرًا قائلين: إن الابن إذا مات في حياة أبيه لا يستحق أولاده نصيبه من تركة الجد بعد وفاته وأن هذا هو حكم الشرع . وعلى هذا صرنا - نحن - من تركة جدنا محرومين من كل شيء، وخرج أعمامنا بنصيب الأسد، مع أنهم أغنياء، ونحن يتامى وفقراء، وأصبح على أمنا المسكينة أن تكد وتسعى لتنفق علينا حتى نكبر ونتعلم، وأعمامنا لا ينفقون علينا، ولا يساعدوننا . فهل ما يقوله هؤلاء الأعمام صحيح، وأن الشرع لا يحكم لنا بشيء من تركة جدنا، مع أننا أبناء ابنه، وأن عبء نفقتنا يقع على أمنا وحدها نرجو الجواب الشافي وبيان علاج هذه المشكلة من الناحية الشرعية.
(المحرومون الصغار)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد
هذا من ناحية قواعد الميراث العامة صحيح غير أن الإسلام عالج هذا الأمر بعدة أمور؛ فإما أن يوصي الجد لأولاد الابن المتوفى في حياته، أو تكون هذه وصية واجبة بحكم القانون كما فعلت بعض البلاد الإسلامية، أو يتنازل الأعمام عن جزء من ميراثهم لأولاد أخيهم المتوفي حيث إن نفقتهم واجبة عليهم إن كانوا مقتدرين وأولاد أخيهم فقراء محتاجون .
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي :
هذه مشكلة الابن حينما يتوفى في حياة أبيه وله أولاد وذرية من بعده . فحينما يتوفى الجد بعد ذلك، هنالك يرث الأعمام والعمات تركة الأب، وأبناء الابن لا شيء لهم.
هذا في الواقع من ناحية الميراث صحيح، وهو أن أولاد الابن لا يرثون جدهم مادام الأبناء أنفسهم موجودين، ذلك لأن الميراث قائم على قواعد معينة وهي أن الأقرب درجة يحجب الأبعد درجة، فهنا مات الأب وله أبناء وله أبناء أبناء، ففي هذه الحالة، يرث الأبناء، أما أبناء الأبناء فلا يرثون، لأن الأبناء درجتهم أقرب، فهي بدرجة واحدة وأما أبناء الأبناء فقرابتهم بدرجتين، أو بواسطة، فعندئذ لا يرث أبناء الابن.
كما لو مات الإنسان وله إخوة أشقاء وإخوة غير أشقاء، فالأشقاء يرثون وغير الأشقاء لا يرثون . . لماذا ؟ لأن الأشقاء أقرب، فهم يتصلون بالميت بواسطة الأب والأم، وأما غير الأشقاء فبواسطة الأب فقط . فالأقرب درجة، والأوثق صلة هو الذي يستحق الميراث ويحجب من دونه.
وهنا لا يرث الأحفاد من جدهم مادام أعمامهم يحجبونهم.
ولكن هل معنى هذا أن أولاد الابن المتوفي يخرجون من التركة ولا شيء لهم ؟ ! هنا يعالج الشرع هذه المسألة بعدة أمور:.
الأمر الأول:
كان على الجد أن يوصي لهؤلاء الأحفاد بشيء، وهذه الوصية واجبة ومفروضة ولازمة عند بعض فقهاء السلف . فهم يرون أن فرضًا على الإنسان الوصية لبعض الأقارب ولبعض جهات الخير وخصوصًا إذا كان هؤلاء الأقارب قريبين وليس لهم ميراث، فالشرط أن يكون الموصي له غير وارث . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث " ولما أنزل الله آية المواريث (البقرة: 180)، لم يعد من حق الوارث أن يوصي له، إنما يمكن الوصية لغير الوارث، مثل ابن الابن مع وجود الابن، هنا تكون الوصية واجبة، كما جاء في القرآن الكريم بظاهر قوله تعالى: (كُتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرًا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف، حقًا على المتقين) وكلمة " كُتب " تفيد الفرضية بل تأكيد الفرضية، كما في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم) (البقرة: 316). وفي قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم القصاص في القتلى) وفي قوله تعالى: (كتب عليكم القتال وهو كره لكم). (البقرة: 183).
فهنا، كتب الله الوصية على من ترك خيرًا أي مالاً يعتد به، لمن لا يرثون منه بالمعروف حقًا على المتقين.
فمن هنا ذهب بعض السلف إلى فرضية هذه الوصية.
وبعضهم قال بأنها سنة ومستحبة وليست لازمة.
ونحن نختار المذهب الذي يأخذ بظاهر الآية بدلاً من القول بنسخ الآية، لأنه يمكن فهم الآية على هذا النحو.
وعليه كان واجبًا على الجد أن يوصي لهؤلاء الأولاد، لأنهم أبناء ابنه، قرابة قريبة ولأنهم كما قالوا فقراء، ولأنهم يتامى " فقد اجتمع عليهم اليتم والفقر والحرمان، وقد كان على الجد أن يتدارك هذا أن يوصي لهم بشيء، في حدود الثلث . لأن الوصية في الشرع الإسلامي لا تزيد عن الثلث . فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص حين سأله عما يوصي به من ماله فأجاب " الثلث - والثلث كثير ". (متفق عليه من حديث سعد بن أبي وقاص).
هذا ما كان ينبغي أن يفعله الجد.
وبعض البلاد العربية اتخذت من هذه الآية، ومن هذا المذهب الذي يقول بها مبدأ لقانون في الأحوال الشخصية سموه " قانون الوصية الواجبة ".
مفاده بأن على الجد أن يوصي لأحفاده الذين لا يرثون بنصيب أبيهم بشرط ألا يزيد عن الثلث . . . أي أن لهم الحد الأدنى من الثلث أو نصيب الأب.
وألزم القانون الجد بهذا إلزامًا بحيث يصبح معمولاً به لأن كثيرًا من الأجداد لم يكونوا يراعون هذا، ولم يوصوا لأحفادهم، فاجتهد هؤلاء الفقهاء، اجتهادًا جيدًا، وقالوا بالوصية الواجبة التي بينتها.
هناك أمر آخر يتدارك الشرع به مثل هذا الموقف <>، وهو أنه كان على الأعمام حين اقتسموا تركة أبيهم أن يعطوا شيئًا من هذه التركة لأولاد أخيهم وهذا ما نص عليه القرآن، حيث قال في سورة النساء التي ذكرت فيها المواريث (وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولاً معروفًا)
إذ كيف يحضر هؤلاء القسمة، والأموال توزع، وهم ينظرون، ولا يعطون شيئًا ؟ وقد قدم أولي القربى لأنهم أحق، فما بالك بأبناء الأخ اليتامى الذي كان أبوهم واحدًا منهم، فكان على الأعمام أن يعطوا هؤلاء شيئًا يتفق عليه الأعمام بحيث يكون كافيًا يكفل حاجتهم، وخاصة إذا كانت التركة كبيرة.
وإذا كان الجد مقصرًا، فقد كان على الأعمام أن يتداركوا هذا التقصير ويعطوا هؤلاء لأنهم من أقرب أولي القربى.
ثم هناك أمر ثالث يتدارك به الشرع هذا الموقف وهو: قانون النفقات في الإسلام.
إن الإسلام تميز عن سائر الشرائع بفرض النفقة على الموسر من أجل قريبه المعسر، وخاصة إذا كان من حق أحدهما أن يرث الآخر، كما هو المذهب الحنبلي، وكذلك إذا كان ذا رحم محرم كما هو المذهب الحنفي . وذلك مثل ابن الأخ.
ففي هذه الحالة تكون النفقة واجبة، وتحكم بها المحكمة، إذا رفعت إليها قضية من هذا القبيل.
إنه لا ينبغي للعم أن يكون ذا بسطة وثروة، وعنده بنات أخيه أو أبناء أخيه وليس لديهم شيء ومع هذا يدعهم، ويدع أمهم المسكينة تكدح عليهم وهو من أهل اليسار والغنى . . . هذا لا يجوز في شرع الإسلام.
بهذا انفرد شرع الإسلام وتميز.
وقد قص علينا المرحوم الدكتور محمد يوسف موسى قصة لطيفة حينما كان يدرس في فرنسا . قال:
كنا في بيت وكانت تخدمنا فيه فتاة يظهر على وجهها مخايل شرف الأصل، فهي متماسكة وعاقلة، ولا تتبذل، فسألوا عنها: فقالوا: إن عمها المليونير فلان الفلاني، فقال: لماذا لا ينفق عليها ألا تستطيع أن ترفع أمرها للمحكمة ؟ فقيل له:
بأنه ليس لديهم قانون ملزم بمثل هذا . ثم سئل هل لديكم أيها المسلمون قانون ينص على ذلك ؟ فقال: نعم، إن مثل هذا يجب أن ينفق على بنت أخيه، ولو رفعت دعوى إلى المحكمة لقضت لها أن تأخذ حقها منه، وألزمته بذلك إلزامًا، فقالت المرأة الفرنسية: لو كان لدينا قانون كهذا لما وجدت امرأة تخرج لتجهد في العمل، لأنها لو لم تفعل هذا لماتت جوعًا.
ولذا فإن قانون النفقة الواجبة انفرد به الإسلام دون سائر الشرائع والقوانين.
ويمكن لهؤلاء الصغار المحرومين أن يرفعوا قضيتهم للمحكمة إذا لم يعطهم الأعمام هذا الحق إلا بهذا السبيل.
والله أعلم