بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا .
من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له , شهادة تنجي قائلها من عذاب يوم عظيم , يوم يقوم الناس إلى رب العالمين .
وأشهد أن محمدًا عبد ورسوله وصفيه من خلقه وخليله . بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة , وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين .
اللهم صل عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه وسلك طريقه إلى يوم الدين .
اللهم أحينا على سنته وتوفنا على ملته واحشرنا تحت لوائه ,وأوردنا حوضه , واسقنا من يده الشريفة شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدًا .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }آل عمران102
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }النساء1
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} الأحزاب70 { يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَفَوْزًاعَظِيمًا}الأحزاب71 .
خطب النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء , ومنزل ترح لا منزل فرح . فمن عرفها لم يفرح لرخاء ولم يحزن لشقاء . ألا وإن الله خلق الدنيا بلوى والآخرة دار عقبى , فجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة سببًا وثواب الآخرة من بلوى الدنياعوضًا . فيأخذ ليعطي , ويبتلي ليجزي . إنها لسريعة الذهاب , وشيكة الانقلاب . فاحذروا حلاوة رضاعها لمرارة فطامها واحذروا لذيذ عاجلها لكريه آجلها ... فتكونوا لسخظه متعرضين , ولعقوبته مستحقين ). وقال : (أيها الناس: إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه أبدًا، ولكنه رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم. فاحذروه على دينكم ) .
وقال الفاروق عمر :
أيها الناس أصلحوا سرائركم تصلح لكم علا نيتكم , وأصلحوا آخرتكم تصلح لكم دنياكم ) .
اشكروا الله كثيرًا واذكروه كثيرًا . لقد أمرتم بالصيام فصمتم , وبالقيام فقمتم , وبالزكاة فآتيتم ؛ فأبشروا بالثواب الجزيل والشكر الجميل من رب كريم .
لا يضيع عنده ثواب , ولا يرد من تاب , ولا يوصد في وجه من قصده باب .
نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم سائر الأعمال , وأن يديم علينا نعمة القرب ولذة الطاعة .
أيها الإخوة الأحباب : إن من دروس شهر رمضان المبارك :
§ سرعة انقضاء الأيام , فمنذ أيام قليلة استقبلنا شهر رمضان واليوم نودعه . تصرمت ساعاته وأيامه ومرت نفحاته وبركاته , وهكذا تنفلت الأيام وتسرع الأعمار , وتنقلنا الخطا إلى يوم القيامة .
§ رمضان شهر الحياة مع كتاب الله : نسمعه ونتلوه ونتدبره ونفسره , فما أحلى العيش مع القرآن ونسأل الله تعالى أن يعيننا على المداومة عليه وعلى العمل به وتطبيقه في كل شؤونا .
§ رمضان شهر الكرم والجود , شهر الرحمة بالفقراء والمحتاجين , شهر التآخي والتواصل , شهر الأرحام .
§ فلا خصام ولا شحناء ولا إحن ولا بغضاء . فلنكن هكذا دومًا . قال الشافعي رحمه الله :
ولما عفوت ولم أحقد على أحد أرحت نفسي من هم العداوات
§ لقد حفظت لسانك عن الناس , فطهره بعد رمضان بل طول العام . فلا تخدش به الأعراض , ولا تؤذ به النفوس ولا تجرح به المشاعر .
§ رمضان شهر الجهاد : جهاد النفس والشهوات , جهاد العدو , شهر البطولات والانتصارات .
والجهاد به حياة الأمة وأن تركته ذلت , وإن تنكبت طريقه هانت . وهذا ما نراه في واقع الأمة المرير . وإن المسلم لتجرح كرامته في اليوم مرات وهو يشاهد المسلمين تقطع أوصالهم وتهتك أعراضهم , وتداس كرامتهم بلا حساب .
وهنا نذكر بماضي الأمة التليد , وتاريخها المجيد ؛ عندما تمسكت بفريضة الجهاد .
§ إن مستقبل المسلمين – حملة هذا الدين – هو النصر المبين {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }النور55 .
( وكان حقًا علينا نصر المؤمنين ) الروم 47 .
( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ) غافر 51 .
هُوَ ٱلَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدّينِ كُلّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ [الصف:9].
وإن هذا الدين هو سر بقاء هذه الأمة وو جودِها، إنها موعودة بالبقاء، بل بالنصر والتمكين، ولا يزال الله عز وجل يخرج لهذه الأمة في كل مرحلة من تاريخها علماء ودعاة وقادة ومجاهدين يستعملهم في خدمة هذا الدين، ولن يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا سيدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام وأهله، وذلاً يذل الله به الكفر وأهله، كما قال عليه الصلاة والسلام.
: ((لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة)) وفي لفظ للبخاري: ((لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم)) وفي لفظ لأحمد: ((لا يبالون من خالفهم أو خذلهم)).
قال النووي في شرحه لصحيح مسلم عن هذا الحديث: " قلت: ويحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين منهم شجعان مقاتلون , ومنهم فقهاء , ومنهم محدثون , ومنهم زهاد وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر , ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير , ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض. وفي هذا الحديث معجزة ظاهرة ; فإن هذا الوصف ما زال بحمد الله تعالى من زمن النبي إلى الآن , ولا يزال حتى يأتي أمر الله المذكور في الحديث "اهـ كلامه.
لئن عرف التاريخ أوسا وخزرجا فلله أوسٌ قادمون وخزرجُ
وإن كنوز الغيب لتخفي طلائعـا صابرة رغم المكائد تخرج
§ رمضان شهر الإرادة القوية , في وقت نحتاج فيه إلى هذه الإرادة على مستوى المسؤولين والمحكومين على السواء .
§ رمضان شهر التفكر في الكون وفي الأهلة , والليل والنهار , وفي قيمة الوقت والزمن . وإن أغلى ما يملكه المرء هو الوقت . فالوقت هو الحياة , وهو رأس مال الإنسان الذي يتجر به وهو أرضه التي يغرس فيها .
§ رمضان شهر الدعاء والتضرع والابتهال , وما أحوجنا إلى الدعاء طول العام ؛ فعلى الجانب الشخصي ما أكثر المعاصي وعلى جانب الأمة ما أكثر المآسي .
فإلى من نلجأ , وبحمى من نلوذ ؟ . إن الافتقار إلى الله هو الغنى . فالمرء يجد الأذى من أقرب الأقارب , ومن أصحابه وأترابه , فهذا يخذله وقت احتياجه إلى النصر , وذاك يبخل عنه حين فقره , وآخر يؤذيه في عرضه , أو يجرح مشاعره .
ليعلم الإنسان أنه لا راحة له إلا مع الله : يجد عنده الرحمة والعفو والود الكريم والأنس الحبيب .
§ والدرس الأخير هو الفرحة بالثواب : الفرح بالعيد , فلا صيام ولا خصام ولازيارة مقابر ولا اجترارأحزان .
إنه منهج الإسلام القويم الذي يحترم طبيعة الإنسان ؛ فيعرف كيف يقومه , كيف يعلمه الصبر وقوة الإرادة , كيف يفرحه ويسعده . إنه دين الله العظيم .
ويبقى الأمل في الفرح الكبير يوم العرض الأكبر , يوم يعفو الرب الكريم , عندمت تزف الملائكة المؤمنين ( لايحزنهم الفزع الأكبروتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون ) الأنبياء 103.
وعلى الله قصد السبيل
شعبان شحاته
Hudahuda2007@yahoo.com
الجمعة، 3 سبتمبر 2010
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)