بقلم: د. عصام العريان
لا تمر بنا الذكرى السنوية لاحتفالنا بمولد رسول الرحمة والمحبة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم إلا ويَرِدُ مباشرةً إلى الذهن تساؤلات مهمة، بعيدًا عن مجرد الاحتفاء أو الاحتفال الذي تحوَّل إلى تناول الحلويات الشهيرة عند العوامّ وإهدائها، أو الأحاديث والمحاضرات والندوات عند الدعاة الوعَّاظ والمحاضرين.. هذه التساؤلات ألخِّصها في سؤالين:
أولاً: ما هو واجبك أيها المسلم تجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
الثاني: كيف ننصر رسول الله عليه الصلاة والسلام في ظل الهجوم الذي لا ينقطع عليه؟ وكان آخره الهجوم الصهيوني في القناة العاشرة التلفزيونية.
واجبات ومهام
الناس قسمان في الدار الآخرة: مؤمن وكافر.. يقول الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (التغابن: 2)، ويضاف إلى ذلك أركان أخرى، أهمها الإيمان بالنبوات والتصديق بالرسل والأنبياء جميعًا.
وأول الواجبات نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو الإيمان برسالته ونبوته.. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا﴾ (النساء: 136).
ثانيًا: التصديق بما جاء به، وهو القرآن العظيم، معجزته الكبرى الدائمة، وما أيَّده الله به من معجزات حسية متواترة نقلها الكافة عن الكافة.
ثالثًا: طاعته صلى الله عليه وسلم والالتزام بما جاء به تطبيقًا وعملاً برضا نفسي، واقتناعًا بأن ما شرعه صلى الله عليه وسلم هو لصالح المسلمين ولصالح البشر ولصالح الإنسانية كلها، وأن شريعته الغرَّاء صالحةٌ لكل زمان ومكان وهذه الطاعة جزء من طاعة المسلم لربه تعالى.. يقول الله تعالى: ﴿مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ (النساء: 80).
وقد جاء الأمر بها من الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ (النساء: 59)، وطاعته صلوات الله عليه هي الطريق إلى جنات النعيم وصحبة الأنبياء والصالحين.. يقول تعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ (النساء: 69).
وإن طاعته صلى الله عليه وسلم تنقسم إلى أجزاء، فمنها ما يندرج تحت طاعة الله تعالى في القرآن والشريعة الإلهية التي فسَّرها الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنها ما هو طاعة تشريعية منفصلة فيما شرعه صلى الله عليه وسلم، كما جاء في علم أصول الفقه فهو رسولٌ مبلِّغ عن ربه تعالى، وهو مشرِّع بصورة مستقلة، وهو قاضٍ يقضي بين الناس، وأحكامه نافذة على أطراف النزاع؛ فمن ألحن في حجته أو قدم بيانات مزورة فإنما يقضي له رسول الله بقطعة من النار والعقاب على الشاكي، والخطأ هنا ليس خطأه صلى الله عليه وسلم، إنما يقضي رسول الله بحسب الشواهد والبراهين الظاهرة، ويجتهد في أمور الحياة وفي النهاية عندما يتبيَّن عدم صواب ما ذهب إليه "أنتم أعلم بأمور دنياكم" أو "إنما هو الرأي والحجة والمكيدة".
وهو زوج وأب وصهر، يتعامل مع كل الأطراف، ويبيع ويشتري، وهو قدوة في ذلك كله، وهو في البداية والنهاية بشرٌ تجري عليه أحكام البشر، فيمرض ويغضب ويأكل ويشرب، وصدق الله العظيم: ﴿وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلاَ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا﴾ (الفرقان: 7).. ﴿قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً﴾ (الإسراء: 93).. ﴿وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَرًا رَّسُولاً﴾ (الإسراء: 94).
رابعًا: احترامه وتوقيره وحبُّه وليس مجرد طاعته، فحبه من محبة الله تعالى وتعظيمه التزامٌ بأمر الله تعالى، ولأنه رسول الله الذي اكتملت فيه كل صفات الجمال والكمال، وهذا ما يجب علينا غرسه في نفوسنا ونفوس أهلينا وأولادنا: "أحبوا الله لما يغذوكم من نعمه، وأحبوني لحب الله"، ومن يستحق الحب كرسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
ولنا في أصحابه عليهم الرضوان القدوة الحسنة في كمال الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كانوا يقدمون حبَّه على حبهم أنفسهم وأولادهم امتثالاً لتقريره في الحديث: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وأولاده" أو كمال قال صلى الله عليه وسلم وقد قال الله تعالى: " إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (9)﴾ (الفتح).
قال القرطبي: : تعزروه .. أي تعظموه وتفخِّموه.. التعزيز التعظيم والتوقير، وقال قتادة: تنصروه وتمنعوا منه.. "توقروه" أي تسوِّدوه، والتوقير: التعظيم أيضًا والهاء فيهما (أي تعزروه وتوقروه) للنبي صلى الله عليه وسلم، وهنا وقف تام، ثم تبتدي و"تسبحوه" أي تسبحوا الله بكرةً وأصيلاً، وقيل الضمائر كلها لله تعالى، وهذا قول القشيري والأول للضحاك، وعليه يكون بعض الكلام راجعًا إلى الله تعالى "وتسبحوه" من غير خلاف، وبعضه راجعًا إلى رسوله صلى الله عليه وسلم.. تفسير سورة الفتح (الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي المجلد الثامن/ طبعة مكتبة "الغزالي").
وقد أمر الله تعالى بأوامر تندرج كلها تحت هذا الواجب وهو تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الآيات الأول من سورة الحجرات ما يغنيك عن الإطالة ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ (الحجرات: 2).. قال القرطبي: "معنى الآية الأمر بتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم وتوقيره، وقال ابن العربي: حرمة النبي صلى الله عليه وسلم ميتًا كحرمته حيًّا، وكلامه المأثور بعد موته في الرفعة مثالُ كلامه المسموع من لفظه (نفس المصدر سورة الحجرات- القرطبي).
خامسًا: حمل رسالته وتبليغ دعوته من بعده للعالمين.. قال الله تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (يوسف: 108)، فقد خُتِمت به الرسالات، وشريعته خاتمة الشرائع، ودعوته هي كلمة الله تعالى الأخيرة للعالمين، وبوفاته صلى الله عليه وسلم انقطع الوحي من السماء، فهو خاتم الأنبياء والمرسلين، لذلك وجب على أمته أن تحمل دعوته وتبلغ رسالته للعالمين، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "بلغوا عني ولو آية" (رواه البخاري).
وقال صلى الله عليه وسلم: "نضَّر الله أمرأً سمع منا شيئًا فبلغها كما سمعها، فرُبَّ مبلَّغ أوعى من سامع، ورب حامل علم إلى من هو أعلم منه" (رواه الترمذي)، وقال صلى الله عليه وسلم: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا يُنقص ذلك من أجورهم شيئًا" (رواه مسلم)، ودعوته هي الإسلام ورسالته احتواها القرآن.
سادسًا: دراسة سيرته بوعي وفهم وتدبر، والتعرف على فعل الصحابة والتابعين مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأنهم لم يفعلوا ذلك للتسلية وإنما للتدبر والفهم والاقتداء به؛ حيث قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا﴾ (الأحزاب: 21)، ولقد كان رسولاً بشرًا لكي تنظر في كل مواقف حياتك كيف كان يتصرف صلى الله عليه وسلم ثم تقتدي، وهنا هو الوعي والفهم للتطبيق والعمل.
وسيجد كل مسلم في أي موقع وفي كل حالة قدوة حسنة في رسول الله عليه الصلاة والسلام..
فقد قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ (الأحزاب: 56).
وقال صلى الله عليه وسلم: "من صلى عليَّ صلاةً صلى الله عليه بها عشرًا" (رواه مسلم).وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تجعلوا قبري بعدي عيدًا، وصلوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم" (رواه أبو داود).
وحذر صلى الله عليه وسلم "البخيل من ذكرت عنده فلم يصل عليَّ" (رواه الترمذي)..
سابعًا: الذب عنه ودراسة سيرته والدفاع عنه ضد من يعاديه ومن يؤذيه.. فقد قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِينًا﴾ (الأحزاب: 57)، وحذر تعالى: ﴿إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ﴾ (الأحزاب: من الآية 53).
واليوم نحن أمام حملة منظمة يقودها حاقدون على رفيع الذكر وعظيم القدر محمد صلى الله عليه وسلم، من منظمات ودول وغير ذلك .
فمتى ننصره حق النصر؟ ومتى نذبُّ عنه صلى الله عليه وسلم؟ سامحنا يا رسول الله.