زواري

من أنا

صورتي
أنا المدلل الغارق في آلاء الله ونعمه , قليل الشكر كثير الذنب , أحب الله جدا ولكن المعاصي لم تدع لي وجها أقابل به ربي وليس لي إلا أن أطمع في رحمة ربي الواسعة لعله يقبلني . وأنا واقف بالباب لن أبرحه فليس لي غيره.

الثلاثاء، 10 يناير 2012

الناقلـــون لسُـــــــنة النبي صلى الله عليه وسلم

قال تعالي »وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون« وأوجب عليهم عمارة الأرض من خلال هذه العبادة بتنفيذ أوامره والبعد عن نواهيه
أرسل الله سبحانه وتعالي نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم [الي العالمين بدين الإسلام وأنزل عليه القرآن وجعله هدي وبركة وبشري للمسلمين، وبيَّن فيه هدف الخلق وأنه عبادة الله قال تعالي »وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون« وأوجب عليهم عمارة الأرض من خلال هذه العبادة بتنفيذ أوامره والبعد عن نواهيه. وسُنة رسول الله [ التي أمرنا باتباعها هي كل قول أو فعل أو تقرير أو صفة أضيفت الي رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ولقد قام الصحابة الكرام - وهم الذين اجتمعوا بالنبي [ في حياته وآمنوا به وماتوا علي ذلك - بفضل ما سمعوه أو رأوه أو شاهدوه من اقوال وأفعال النبي [صلى الله عليه وسلم وكذلك موافقاته وما حدث أمامه فلم يعترض عليه، وكذلك أوصافه وما نسب إليه، وهذا الذي نسبوه ونقلوه عن النبي صلى الله عليه وسلم [ تحدثوا به للجيل الذي بعدهم، وهم الذين يسمون بالتابعين، ثم جاء جيل بعد اولئك فأخبروهم بما سمعوه من الصحابة وعند ذكرهم لأي كلام سمعوه كانوا يخبرون عن الشخص الذي نقل لهم هذا القول من الصحابة وكذلك كان يفعل تابعو التابعين فيذكرون انهم سمعوا من فلان من التابعين يذكر انه سمع علانا من الصحابة انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم [ يقول كذا. ان جيل الصحابة قدر عدده ٤١١ ألف شخص، علي ان الناقلين لكلام النبي صلى الله عليه وسلم [ وما له منهم لا يتجاوز الالفين، وهو الجيل الذي منه أبوبكر وعمر وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وانس بن مالك ومعاذ بن جبل وأبوهريرة وغيرهم وكل اولئك الصحابة منزهون عن الكذب، فكلهم صادق حيث تبين صدقهم من سلوكهم المتميز، والتزامهم الشديد بأوامر الدين وتأثرهم بالتربية النبوية التي رباهم عليها النبي صلى الله عليه وسلم [ والتابعون هم الذين شاهدوا الصحابة وهم طبقات: كبار ومتوسطون وصغار وذلك حسب معاصرتهم لعدد اكبر من الصحابة فمن ادرك ابابكر وعمر وعثمان وعلي – رضي الله عنهم - فأولئك هم كبار التابعين وهم كالصحابة كلهم ثقات، وهناك المتوسطون وهم الذين رأوا معظم الصحابة واولئك الاصل فيهم الثقة والصدق. ومن أجل توثيق الاحاديث والتثبت من نسبتها الي سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم [ دوّن المسلمون الاحاديث، ووضعوا علوما تخدم هذه العملية التوثيقية فوضعوا علم الرجال وهو علم يتكلم فيه عن الرواة من هم؟ أين ولدوا، ومتي ماتوا ومن هم اساتذة كل راو ومن هم تلامذته وبمن التقي وتقابل وما هي درجة ضبطهم وحفظهم ودقتهم في الرواية، وما هي درجة صدقهم ونشأ من ذلك علم آخر يسمي بعلم الجرح والتعديل وهو يهتم بالقواعد التي يتم بها الحكم علي اولئك الرواة وكذلك الطرق التي تتخذ عند اختلاف الناس في أحد الرواة فيقول بعضهم انه ثقة وآخرون انه ليس بثقة سواء أكان غير الثقة هذا قليل العلم أو التقوي أو الضبط أو الصدق أو انه كاذب. وقد قال الشيخ مصطفي صبري رحمه الله في هذا المقام: ان الطريقة المتبعة في الاسلام لتوثيق الاحاديث النبوية لا تدانيها في دقتها وسموها أي طريقة علمية غربية اتبعت في التوثيق، ففي صحيح البخاري مثلا الفان وستمائة واثنان من الاحاديث المسندة انتقاها البخاري من مائة ألف حديث صحيح يحفظها، فهل سمعتم أو سمعت الدنيا ان كتاب تاريخ في هذا الحجم يروي ما فيه سماعا من الفي رجل ثقة يعرفهم المؤلف بأسمائهم وأوصافهم وسمعها فلان وهو من فلان الي ان اتصل بالنبي [صلى الله عليه وسلم فيقام لكل سطر من سطور هذا الكتاب مشهود من الرواة فيتحملون مسئولية روايته. يكفي أيها السادة ان يعلم العالم الغربي عن اشياء مثل هذه اختص بها الاسلام تثبت حجية السنة الشريفة ولا نظير لها في العالم.

الحديث رواية
ونشأت عند المسلمين علوم اخري لخدمة الحديث النبوي منها علم المصطلح والذي يبين أنواع الروايات المختلفة ودرجاتها وكيفية الحكم علي الحديث سواء علي سلسلة الرواة وهو ما يسمي بالسند أو علي المتن وهو نص الحديث نفسه ونشأ من ذلك علم الحديث رواية وعلم الحديث دراية فعلم الحديث رواية هو العلم الذي يهتم بسوق الحديث من ناحية سنده ومتنه، وعلم الحديث دراية هو الذي يهتم بالحكم علي هذا المنقول بالقبول أو الرفض. ومن تلك العلوم الكلام عما يتعلق بالحديث من ناحية اللغة: النحو والصرف وغريب اللغة وشكل الالفاظ، ومنها ما تحدث عن الاختلاف الواقع بين حديثين وكيف نزيل هذا الخلاف الظاهري حيث انه لا خلاف حقيقي بين الاحاديث. بل ان علم الفقه من العلوم التي خدمت الحديث حيث يعد الفقه تفسيرا لاحاديث الاحكام الواردة في السُنة المشرفة.

عصر التابعين
انتهي عصر الصحابة بموت آخرهم وهو الطفيل بن عامر سنة 110هـ وانتهي عصر التابعين بموت آخرهم وهو ابوحنيفة وطبقته سنة 150هـ وظلت الرواية قائمة من جيل إلي جيل حتي اواسط القرن الخامس الهجري فكان من اواخر من سجل الاحاديث في كتبهم البيهقي »ت ٨٥٤هـ« الخطيف البغدادي »ت ٣٦٤هـ« فلم نجد رواية شفوية بعد عصر هؤلاء ولم تسجل في الكتب بل أصبحت كل الاحاديث مروية في كتب ومدونة في مجاميع.
وتلا هذا رواية للكتب نفسها وإستمر ذلك من القرن الخامس الي يومنا هذا، ولكن قبول الحديث ورفضه مبني علي نقد السند والمتن المسجل في كتب الرواية، ولاينظر الي سند الكتاب إلينا، فعلماء الحديث في عصرنا الحاضر معهم رواية لكتاب مثل السنن الكبري للبيهقي فلا ينظر لنقد الحديث في رواة الكتاب من محدث عصرنا حتي البيهقي بل ينتظر في رجال السند من البيهقي حتي رسول الله صلى الله عليه وسلم [ وبناء علي ذلك يقبل الحديث أو يرفض.

كتب السنن
واثناء الرحلة الطويلة للحديث النبوي سجل ذلك الحديث في كتب كثيرة تعددت اغراضها ومداخلها لوجد الحديث في كتب الصحاح وهي كتب اقتصرت علي جمع الاحاديث التي صححها مصنفوها مثل صحيح الإمام البخاري وصحيح مسلم، وصحيح ابن خزيمة وصحيح ابن السكن وغيرها، وفي كتب السنن وهي كتب جمعت الاحاديث النبوية مرتبة علي الابواب الفقهية من الايمان والطهارة والصلاة والزكاة الي اخر تلك الابواب وهي مثل سنن الترمذي وابي داود والنسائي وابن ماجه وسند الشافعي والدرامي والبيهقي وغيرها ومنها كتب المصنفات والجوامع وهي كتب تشتمل علي جميع الانواع المحتاج اليها من العقائد والاحكام والفقهية والرقائق والآداب، وما يتعلق بالتفسير او التاريخ والسير واخبار ومثال بعض الاشخاص أو الامم وغير ذلك، ومن هذه الكتب المصنف لابن ابي شيبه ومصنف عبدالرزاق وكتاب الآثار لمحمد بن السنن الشيباني وكتاب الأم للإمام الشافعي وتهذيب الاثار لابي جعفر الطبري وشرح السنة للبغوي وجامع مسلم بن الحجاج وغيرها كثير، ايضا هناك كتب المستدركات والمستخرجات. ومنها كتب المسانيد، والمُسند كتاب جعل الاحاديث المروية عن صحابي واحد من مكان واحد سماه المسند مثل سند احمد بن حنبل ومسند ابي داود والطيالسي وغيرها، ومنها المعاجم وهي كتب جعلت احاديث كل شيخ من شيوخ المؤلف علي حدة مثل معاجم الطبراني الثلاثة. ومنها كتب في التفسير جمعت الاحاديث التي وردت في تفسير القرآن مثل ابن جرير الطبري وابن مردوية ومنها كتب في التاريخ كتاريخ بغداد للخطيب البغدادي وذيله لابن النجار ومنها كتب المغازي والسير كسيرة ابن اسحق ومنها كتب في مسائل مفردة كجامع بيان العلم لابن عبدالبر وحيلة الاولياء لابي نعيم الاصبهاني. ومنها أجزاء حديثية كأن يجمع عالم احاديث مسألة معينة كالوضوء او الاضحية او الجهاد في كتاب واحد وهذه منها آلاف الكتب ومنها ان يجمع حديثا واحدا بكل طرقه في كتاب واحد وهي المشهورة بالاجزاء الحديثية وهي كثيرة جدا. وهذه الكتب التي ذكرت فيها الاحاديث بأسانيدها حصرها الشيخ محمد بن جعفر الكثابي في كتابه المانع »الرسالة المستطرفة في بيان شهور السنة المشرفة« فأورد فيها اكثر من ثلاثمائة كتاب مسند. ومن القرن الثامن حتي الثالث عشر الهجري ألف كثير من العلماء والمحدثين كتبا اوردوا فيها الاحاديث بأسانيدها يحفظونها لنا ولو ضاعت اصولها. منهم الحافظ السيوطي (١١٩ هـ) في كتب كثيرة كترجمات القرآن وهو تفسير بالمأثور مع ذكر الاسانيد ومنهم الحافظ الغاوي في شرحه علي الجامع الصغير للسيوطي (ت ١٣٩١ هـ) والزبيدي (٥٠٢١ هـ) في شرح احياء علوم الدين المسمي (باتحاف السادة المتقين شرح احياء علوم الدين).

صحيح البخاري
كما ان كثيرا من شراح الاحاديث ساهموا في حفظ السنة المسندة كالحافظ ابن حجر (٢٥٨ هـ) في كتبه الكثيرة وخاصة فتح الباري في شرح صحيح البخاري. وكذلك هناك من جمع الكتب وانشأ المجاميع، منهم الحافظ ابن كثير ٤٧٧ في كتاب جامع المسانيد والسيوطي في الجامع الكبير وابن حجر في المطالب العالية ونور الدين الهيثمي (٧٠٨ هـ) في مجمع الزوائد، وهذه تعد محاولات في طريق موسوعة الحديث التي راودت المسلمين من القرون الأولي كما سنري.

علم الرجال في قرون الرواية
كما ظهر علم الرجال في قرون الرواية ليحصد الرواة ويحكم عليهم وبين مدي الوثوق بعلمهم ونقلهم وضبطهم فقد ظهر ايضا علم الاثبات والفهارس وهو مختص بذكر رواة الكتب إلينا وهي المساحة التي سبق ان ذكرنا انها ليست محلا للنقد والتصحيح والتصنيف. وهي المزية التي انفردت بها امة محمد [ عن باقي أمم وأديان الأرض.
فأسماء الرواة الي الإمام البخاري مثلا سند وسلسلة يروي بها كتاب البخاري وهي ليست محلا للنقد ولا لبحث عدالة اولئك الرواة من عدمها ولا يحكم علي الحديث بناء علي ذلك، وهي سلسلة مهمتها استمرار تلقي كل جيل العلم عن الجيل الذي قبله، واتصال الاسانيد للحفاظ علي مزية الأمة حيث لا تهتم أي أمة ولا أي دين بنقل تراثهم عن طريق الإسناد. أما من البخاري الي سيدنا رسول الله [ فهو السند الذي ينتظر فيه ونبحث عن كل من الرواة وعن تاريخ حياته ومدي مكانته في العلم ومدي ثقته وعدالته ووعيه لنقل الأحاديث وهل قابل من قبله وقابله من بعده أو أن هناك أسماء ساقطة من ذلك السند، فاذا كانت الرواة ثقات والسند متصل بعضه ببعض لينظر في المتن هل هو مخالف لباقي الروايات في نفس الموضوع أو مخالف لأصل من الأصول المقررة في القرآن أو السنة أو مخالف للواقع المحسوس المتطوع به فإن كان كذلك كان حديثا مردودا مرفوضا وإن كان خاليا من تلك المخالفات وسنده سليم كما قدمنا فهو حديث صحيح. علي أن تلك الشروط قد لا تتكامل بصورة تامة بل تحقق بعض الشروط بصورة غير تامة وإن كانت موجودة وحينئذ يقال للحديث حسن. وقد لا تتوافر تلك الشروط (كلها أو بعضها) وحينئذ فالحديث ضعيف.
وهذه الأحكام الثلاثة نصف بها الأحاديث المختلفة والصحيح نسميها الأحاديث المقبولة، والضعيفة نسميها الأحاديث المردودة، والضعيف درجات أسوأها الحديث الموضوع وأحسنها الضعيف المنجبر سمي منجبرا لأنه شبه بالشيء المكسور الذي جبر حتي يلتئم كسره. فإذا سرنا مع الحديث من عصر النبوة والصحابة الكرام تري انهم:
ـ كانوا حريصين علي سماع الحديث من رسول الله[ ـ وكانوا يقومون بتمحيص الرواه، فمن ذلك أن عليا رضي الله عنه كان يستحلف الرواه هل سمعوا ذلك من رسول الله [.
ـ وتحرص الصحابة ان يذكروا إسناد الحديث ولم يكتفوا بنسبة الحديث الي رسول الله [ مباشرة.
ـ علي ان بعض الصحابة كره كتابة الحديث منهم أبو سعيد الخدري وامتد ذلك الي التابعين فكره كتابة الحديث ايضا محمد بن سيرين والقاسم بن محمد وابراهيم النخعي وابي العالية والضحاك. ثم جاء دور التابعين فاقتدوا بالصحابة في اتخاذ الحيطة مع أنفسهم ومع الآخرين وزادوا في الاهتمام بالاسناد بقول ابن سيرين »لم يكونوا يسألون عن الاسناد« فلما وقعت الفتنة قالوا »سموا لنا رجالكم« فينظر إلي أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر الي اهل البدعة فلا يؤخذ حديثهم. وكان للتابعين دور في تدوين السنة لا يقل اهمية في توثيق الحديث عن دور الصحابة، إن لم يزد عليهم. ويطول بنا الامر ان استقرأنا صحف هؤلاء وكتبهم وما فيها من علم ومن سنة، إذ اننا ننبه الي ان هؤلاء كانوا همزة الوصل بين الصحابة في القرن الاول والمصنفين الاوائل في بداية القرن الثاني.

»
صحيفة همام بن منبه«
وقد حفظ لنا التاريخ مثلا »صحيفة همام بن منبه« التي كتبها عن ابي هريرة ونقلها المصنفون بعد ذلك في القرن الثاني وما بعده. وقد نقلها الامام احمد بن حنبل في مسنده في موضوع واحد، وبسند واحد في اوائل الاحاديث.
وهكذا هيأ هؤلاء بتدوينهم علم الصحابة المادة المدونة لمن تصدوا لتصنيف المؤلفات الجامعة في الحديث، في النصف الاول من القرن الهجري.
وقد وضع التابعون مع هذا التدوين ضوابطه وأسسه التي تجعل الاحاديث تنتقل به انتقالا صحيحا فلا يعتريها تحريف أو تبديل. وظل الحديث ينتقل من قرن الي قرن حتي نهاية الرواية في القرن الخامس كما قدمنا

دكتور حسن عباس زكي .